من السلطنة، وقال للخليفة والقضاة:«الأمر لكم، انظروا فيمن تسلطنوه» ، أو معنى ذلك، لعلمه أنهم لا يعدلون عن ولده عثمان، فإنه كان أهلا للسلطنة بلا مدافعة، وأراد أيضا بهذا القول، أنه قد خلع نفسه وأنه يموت غير سلطان، وأنه أيضا لا يتحمل بوزر ولاية ولده المذكور، فكان مقصده جميلا فى القولين، رحمه الله تعالى.
فلما سمع الخليفة كلام السلطان، لم يعدل عن المقام الفخرى عثمان، لما كان اشتمل عليه عثمان المذكور من العلم والفضل، وإدراكه سنّ الشبيبة، وبايعه بالسلطنة، وتسلطن فى يوم الخميس المذكور، حسبما نذكره إن شاء الله تعالى فى أول ترجمته من هذا الكتاب.
واستمر الملك الظاهر [مريضا]«١» ملازما للفراش، وابنه الملك المنصور يأخذ ويعطى فى مملكته، ويعزل ويولّى، والملك الظاهر فى شغل بمرضه، وما به من الألم فى زيادة، إلى أن مات فى قاعة الدّهيشة الجوّانيّة بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء ثالث صفر من سنة سبع وخمسين وثمانمائة المقدم ذكرها. وقرئ حوله القرآن العزيز، إلى أن أصبح، وجهز وغسل وكفن من غير عجلة ولا اضطراب، حتى انتهى أمره وحمل على نعشه، وأخرج به، وأمام نعشه ولده السلطان الملك المنصور عثمان ماشيا وجميع أعيان المملكة، وساروا أمام نعشه بسكون ووقار، إلى أن صلى عليه بمصلّاة باب القلعة من قلعة الجبل، وصلى عليه الخليفة القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة، وخلفه السلطان والقضاة وجميع الأمراء والعساكر، ثم حمل بعد انقضاء الصلاة عليه وأنزل من القلعة، حتى دفن بتربة أخيه الأمير جاركس القاسمى المصارع، التى جددها مملوكه قانى باى الجاركسى، بالقرب من دار الضيافة تجاه سور القلعة، التى جددها مملوكه المنصور دفنه، وعاد إلى القلعة من المصلاة. وشهد دفنه خلائق، وقعد الناس فى الطرقات لمشاهدة مشهده، وكان مشهده عظيما إلى الغاية، بخلاف جنائز المملوك السالفة، ولعل