للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان دينا خيرا عفيفا عن القاذورات، عارفا بأنواع الفروسية باجتهاده، فكان خطأه «١» فيه أكثر من صوابه، وكان يتفقّه، ويكثر من الاشتغال دواما، لا سيما لما اشتغل فى النحو فضيع فيه زمانه، ولم يحصل على طائل، لقصر فهمه وعدم تصوره، وكان يلح فى المسائل الفقيهة ويبحث فيها أشهرا، ولا يرضى إلا بجواب سمعه قديما من كائن من كان؛ وكان هذا سبب نفيه، فإنه بحث مرة مع الأمير بكتمر السعدى بحثا، فأجابه بكتمر بالصواب، فلم يرض بذلك سودون هذا، وألحّ فى السؤال على عادته، فنهره الملك الظاهر جقمق، وهو يوم ذاك أمير آخور، وقال له:

«أنت حمار!» ، واحتدّ عليه، فقال سودون: «العلم ليس هو بالإمرة وإنما هو بالأعلم» . فحنق الملك الظاهر منه أكثر وأكثر، وانفض المجلس.

وكان فيه أنواع ظريفة فى حكمه بين الناس، منها: أنه يتحقق فى عقله أن الحقّ لا يزال مع الضعيف من الناس، وأن القوىّ لا يزال يجبر الضعيف، فصار كلما دخل إليه خصمان فينظر إليهما، فيكون أحد الأخصام جنديا والآخر فلاحا، والحقّ مع الجندى، فلا يزال سودون يميل مع الفلاح ويقوّى كلامه وحجته، ويوهى كلام الجندى ودعواه، حتى يسأل الجندىّ فى المصالحة، أو يأخذ فلاحه ويذهب، إن كان له شوكة، هذا بعد أن يوبخ الجندىّ ويعظه ويحذره عقوبة الله عز وجل، ويذكر له أفعال أبناء جنسه من المماليك.

وكان عنده كثرة كلام مع نشوفة، ولهذا سمى بالمغربى «٢» ، فلما تكرر منه ذلك وعرف الناس طبعه، ترامى الضعفاء عليه من الأماكن البعيدة، فانتفع به أناس وتضرر به آخرون؛ على أنه كان غالب اجتهاده فى خلاص الحق على قدر ما تصل قدرته إليه، رحمه الله تعالى.

وتوفى قاضى قضاة حلب علاء الدين على بن محمد بن سعد بن محمد بن على بن عثمان