سببا لهلاكه، مثل شرب الخل على الريق، ومنع أكل الخبز سنين، وكثرة دخول الحمّام، حتى أنه كان غالب جلوسنا معه فى الخلوة فى مسلخ الحمام الذي ابتناه بطبقة الغور «١» من القلعة، ويداخله فى الحرارة، وأشياء غير ذلك؛ وكان بينى وبينه صحبة قديمة وحديثة ومحبة زائدة، ثم صار بيننا أيام سلطنة والده صهارة، فإنه تزوج ببنت الأتابك آقبغا التّمرازى، وهى بنت كريمتى؛ ولم يفرق بيننا إلا الموت، رحمه الله تعالى.
ولقد كان حسنة من حسنات الزمان «٢» ، خليقا للملك والسلطنة، ولو طال عمره إلى أن آل إليه الأمر، لما اختلف عليه اثنان غصبا ومروءة؛ فإنه كان هيّنا مع الهين فتّاكا على العسر، وأنا أعرف بحاله من غيرى؛ ولقد سمعت منه كلمات من أفعال يفعلها إن تمّ أمره فى الملك، تدل على معقول وتدبير عظيم وحدس «٣» صائب، وإقماع المفسدين، لم أسمعها من أحد غيره كائنا من كان.
وأنا أقول: لو ملك الديار المصرية [و]«٤» تم أمره، نفقت فى أيامه بضائع أرباب الكمالات الكاسدة من كل علم وفن: وظهرت من الزوايا خبايا، وتجدّد ما بعد عهده من الطرائف، وأبدى كل أستاذ من فنه أعاجيب ولطائف؛ ومن أجله صنّفت هذا الكتاب من غير أن يأمرنى بتصنيفه، غير أنى قصدت بترتيب هذا الكتاب من ذكر ملك بعد ملك، أنه إذا تسلطن، أختم هذا الكتاب بذكره، بعد أن أستوعب أحواله وأموره على طريق السيرة، ولوّحت له بذلك، فكاد يطير فرحا، وبينا نحن فى ذلك، انتقل إلى رحمة الله تعالى، فكان حالى معه كقول مسعود بن محمد الشاعر: