بسبب الإمرة، ثم شفع فيه بعد مدة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، واستقر به فى نيابة قلعة الجبل، بعد موت ممجق النّوروزى، وقرّبه الملك الظاهر وأدناه، واختص به إلى الغاية وصار له كلمة فى الدولة، فلم يحسن العشرة مع من هو أقرب منه إلى الملك، وأطلق لسانه فى سائر أمور المملكة، حتى ألجأه ذلك إلى سفر الروم فى أمر من الأمور، ثم عاد فدام على ما هو عليه، ثم تكلم فى أمر المجاهدين وأنهم تراخوا فى أخذ رودس، فعيّنه السلطان إلى غزوة رودس، فسافر وعاد وهو على ما هو عليه، فنفاه السلطان إلى القدس بطّالا، فتوجه إليه ودام به إلى أن مات.
وكان تغرى برمش المذكور فاضلا عالما بالحديث ورجاله، مفننا فى أنواعه، كثير الاطلاع، جيد المذاكرة بالتاريخ والأدب وأيام الناس، وله نظم باللغة العربية والتركية، ويكتب المنسوب، ويشارك فى فنون كثيرة، وله محاضرة حسنة ومذاكرة حلوة، هذا مع معرفته بفنون الفروسية المعرفة التامة كآحاد أعيان أمراء الدولة، بل وأمثل منهم، ولا أعلم فى عصرنا من يشابهه فى المماليك خاصة، لما اشتمل عليه من الفضيلة التامة من الطرفين: من فنون الأتراك وعلوم الفقهاء، ومن هو منهم فى هذه الرتبة، اللهم إن كان الأمير بكتمر السعدى فنعم، وإن فاقه بكتمر بأنواع العلاج والقوة، فيزيده تغرى برمش هذا فى الكتابة ونظم الشعر والاطلاع الواسع.
وفى الجملة أنه كان من الأفراد فى عصره فى أبناء جنسه، لولا زهو كان فيه وإعجاب بنفسه، والتعاظم بفنونه، والازدراء بغيره، حتى أنه كان كثيرا ما يقول:
«يأتى واحد من هؤلاء الجهلة يمسك كتاب فى الفقه فيحفظه فى أشهر قليلة، ثم يقول فى نفسه: أنا بقيت فقيها! الفقيه من يعرف العلم الفلانى ثم العلم الفلانى، إيش هؤلاء الذين لا يعرفون معنى باسم الله الرحمن الرحيم!» . فلهذا كان غالب من يتفقه من الأتراك يغض منه ويحط عليه؛ وليس الأمر كذلك، وأنا، الحقّ أقوله، وإن كان فيهم من هو أفقه منه، فليس فيهم أحد يدانيه لكثرة فنونه، ولاتساع باعه فى النظر والاطلاع والفصاحة والأدب، وسوف أذكر من شعره ما يؤيد ما قلته، فمن شعره فى مليح يسمّى شقير:[البسيط]