للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّيار المصرية في الدّولة العزيزية- يوسف- فحضر بعد سلطنة صهره الملك الظاهر جقمق، وطلع إلى القلعة بعد أن احتفل وجوه الدولة إلى ملاقاته، وخلع عليه باستقراره فى كتابة السرّ على عادته بعد عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين، وهذه ولايته الثالثة لكتابة السرّ.

واستمر في الوظيفة على «١» أمور وقعت له- ذكرناها في الحوادث- إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره بعد أن باشر الوظيفة «٢» على طريق وزراء السّلف من الملوك في الإنعام والعطايا والبرّ والصدقات والرواتب والإحسان للفقهاء والفقراء، بل وإلى غالب من ورد عليه وتردّد إلى بابه كبيرا كان أو صغيرا، غنيّا كان أو فقيرا، حتى شاع ذكره وبعد صيته، وقصده الناس من الأقطار، وهو مع ذلك لا يكلّ ولا يملّ، بل يجود بما هو في حاصله، وبما عساه يدخل إليه.

ولقد حدّثنى غير مرّة أنه لم يستحقّ عليه منذ حياته زكاة عين، قلت: «فلله درّه، لقد استحق قول الشيخ جمال الدين بن نباتة في ممدوحه الملك المؤيّد إسماعيل صاحب حماة حيث قال: [الرجز]

لا ظلم يلقى في حماه العالى ... إلا على العداة والأموال

ولما حجّ في سنة خمسين وثمانمائة، وحجت في تلك السنة أيضا كريمته خوند زوجة السلطان الملك الظّاهر جقمق، وسافرا معا في الرّكب الأوّل، فظهر للناس من علوّ همّته، وغزير مروءته، وعظيم إحسانه، ما لعلّه يذكر إلى الأبد، ولقد حدثنى بعض أعيان مكة أنه كان إذا وقف على أخبار البرامكة وغيرهم ينكر ذلك بقلبه، حتى رأى ما فعله القاضى كمال الدين هذا من الإحسان إلى أهل مكة وغيرهم، فعند ذلك تحقّق ما قيل في سالف