المنصور أتمّ قيام، كلّ ذلك والمماليك في احتراز عظيم على جماعة من الأمراء؛ خوفا من فرارهم إلى الملك المنصور حتى على الأمير الكبير.
ولما تكامل لبس المماليك والأمراء السلاح طلبوا من الأمير الكبير الرّكوب معهم والتوجّه إلى بيت قوصون تجاه باب السلسلة، فامتنع تمنّعا ليس بذاك، ثم أجابهم في الحال، وركب هو والأمراء وحولهم العساكر محدقة بهم إلى أن أوصلوهم إلى بيت قوصون المذكور، ودخلوه من باب سرّه الذي بالشارع الأعظم، ونزل الأمير الكبير بمن معه من الأمراء بالمقعد من الحوش، وجلس الخليفة بالقصر الفوقانى بالبيت المذكور، ورسم على قراجا وتغرى بردى القلاوى وبردبك بالقصر أيضا، كل ذلك والقوم في غير ثقة من الأمير الكبير وغيره من الأمراء، حتى كلّم الأمير الكبير بعض أصحابه العقلاء بكلام معناه قول القائل:[البسيط]
إذا وترت امرءا فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
إن العدوّ وإن أبدى مسالمة ... إذا رأى منك يوما فرصة وثبا
وأظن القائل له الأمير أر نبغا الناصرى أحد أمراء الطبلخانات، فإنه كان أمثل القوم وأقواهم بأسا وأفرطهم شجاعة.
وأما الملك المنصور لما بلغه ما وقع من القوم في بيت الأمير الكبير تحقق من عنده من الأمراء والأعيان ركوب الأمير الكبير وخروجه عن الطاعة، فأمروا في الحال يشبك القرمى والى القاهرة أن ينادى بطلوع المماليك السلطانيّة لأخذ النفقة، وأن النفقة لكل واحد مائة دينار، فنزل يشبك من القلعة والمنادى بين يديه ينادى بذلك، إلى أن وصل إلى الرّميلة «١» تجاه باب السلسلة، فأخذته الدّبابيس من المماليك، فتمزقوا، وذهب القرمى إلى حال سبيله، ثم أمر الملك المنصور لأمرائه وحواشيه بلبس السلاح، فلبسوا بأجمعهم، ولبس هو أيضا، كل ذلك وآراؤهم مفلوكة، وكلّمهم غير منضبطة «٢» ،