وصرت أنا أنظر إليهم من أسفل القلعة، فلم أجد عندهم انزعاجا ولا هرجا مع جمودة «١» حركاتهم، ولم ينزل من القلعة أحد لحفظ المدرسة الحسنيّة «٢» مع معرفتهم أنها مسلّطة على القلعة غاية التسليط، هذا مع كثرتهم وقوّة بأسهم بالقلعة والسلاح والرجال، وعندهم السلطان وشوكته إلى الآن منقامة «٣» - فما شاء الله كان.
وأما الأمير الكبير فإنه حال ما استقرّ به الجلوس ندب دواداره وصهره بردبك، ومعه الأمير سونجبغا اليونسى رأس نوبة، ونوكار الناصرى أحد أمراء العشرات وثانى حاجب إلى القلعة رسالة إلى الملك المنصور يطلب منه إخماد الفتنة بإرسال جماعة من أمرائه، وهم: تمربغا الدّوادار الكبير، ولاجين شادّ الشّراب خاناه، وأسنباى الدوادار الثانى، فطلعوا إلى الملك المنصور وكلّموه في ذلك، وعادوا إلى الأمير الكبير بأجوبة طويلة مضمونها أنه امتنع من تسليمهم، فأرسلهم الأمير الكبير ثانيا، وصحبتهم بردبك دواداره وصهره، فتوجهوا إلى القلعة، وطلعوا إلى المنصور ثانى مرّة، وطلبوا منه ما ذكرناه، فامتنع، وعوّق عنده سونجبغا ونوكار، وأرسل بردبك بالجواب.
وابتدأ القوم في القتال من يوم الاثنين المذكور، واشتدّ الحرب، وجرح من الطائفتين جماعة، ثم خرج جماعة من أصحاب الأمير الكبير، لأخذ مدرسة السلطان حسن فامتنع من بها من فتح أبوابها، فنقبوا حائطا من جوارها مما يلى حدرة البقر «٤» ، ودخلوا منه إلى المدرسة المذكورة، وعمّروا سلالم سطحها، وطلعوا منه إلى مآذنها، ورموا منها بالمدافع على قلعة الجبل، وقوى أمر أصحاب الأمير الكبير بأخذ المدرسة المذكورة إلى الغاية، غير أن الأمير الكبير إلى الآن يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى في الخلاف على