للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتضمّن ما وقع في أمسه من خلع الملك المنصور من السلطنة ومبايعة العساكر للأمير الكبير بالسلطنة، وكتب في المحضر جماعة كبيرة من أمراء الظاهرية وغيرهم، وفيه قوادح في الملك المنصور. ذكرناها في غير هذا المحل.

وجدّ في هذا اليوم كلّ من العسكرين في القتال، ورتّب الأمير الكبير جماعة من أعيان الأمراء على المواضع التي يتوصل منها إلى القلعة، وحرّض الوالى وغيره على مسك من يطلع إلى القلعة من الغلمان والخدم بالمآكل وغيرها، ومسك بسبب ذلك جماعة وضرب آخرون.

وفي هذا اليوم والذي قبله صارت أمراء الألوف تخاطب الأمير الكبير وهم وقوف، وصار لا يقوم لأحد منهم عند ذهابه وإيابه، وكان الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب- رحمه الله- فى يوم الجمعة الذي مرض فيه رمّل على كتابة الأمير الكبير على المراسيم وغيرها، وناهيك بأسنبغا، فإنه كان يوم ذلك أمثل الأمراء وأجلّهم، رأيته أنا وهو يرمّل على علامته من غير أن يحتشم معه الأمير الكبير في ذلك ولا تجمّل معه، بل صار كلما علّم العلامة ورمى بها أخذها أسنبغا ورمّل عليها كما كان يفعله مع السلطان، فإن العادة لا يرمّل على السلطان إلا رأس نوبة النّوب «١» .

هذا وقد تحقّق أهل القلعة زوال ملك الملك المنصور، وهم على ما هم عليه من الشدّة فى القتال، والقيام بنصرة ابن أستاذهم، غير أنهم كما قيل في الأمثال: «سلاح حاضر وعقل غائب» ، لكونهم شبابا لم تمرّ بهم التجارب، ولا لهم ممارسة بالحروب، ولا يعرفون نوعا من أنواع الخديعة والمكر بأخصامهم، وأيضا لم يكن عندهم من الأمراء وغيرهم ممن له خبرة بهذه الأنواع غير أمير واحد وجندى، وكل منهما غير مقبول الكلمة عندهم. فالأمير كزل المعلّم، والجندى السيفى كمشبغا الظاهرى- برقوق- المعلم، وأما من عداهما من الأمراء فحالهم معروف لا يحتاج إلى بيان، وأعظم من كان هناك من الأمراء