هذا والقتال مستمرّ أشد ما يكون بين الطائفتين، وقد تداول نزول الخاصكية والمماليك من عند الملك المنصور إلى الأتابك إينال، وهم مع ذلك كل يوم في زيادة في القتال لا يلتفتون إلى من يذهب من عندهم، ويقول بعضهم لبعض:«نحسبه أنه جرح ومات، وما علينا ممّن يتوجّه من عندنا، ونحن نقاتل إلى أن نموت، والملك المنصور جالس بالقصر السلطانى، وعنده من أكابر الأمراء الأمير تنم أمير سلاح، والأمير قانى باى الچاركسى.
هذا مع مبالغة أصحاب الأمير الكبير في القتال أيضا لا سيما من يوم حضر المقرّ الجمالى ناظر الجيوش والخاص، ثم حضر القضاة، وخلع الملك المنصور في يوم الجمعة، فمن يومئذ بذلوا نفوسهم لنصرة الأمير الكبير، وخوفا من أن يصير للملك المنصور عليهم دولة، فسيكون فناؤهم على يديه، وأيضا إنهم تحققوا سلطنة الأتابك إينال، فاشتاقت نفوسهم لما عساه ينالهم من الإقطاعات والوظائف وغير ذلك، فاقتحموا الأهوال لذلك من غير صبر ولا تأنّ:-[الوافر]
وأعظم ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الخيام من الخيام
هذا والجراحات فاشية في كلّ من الطائفتين، ويقتل أيضا منهم في اليوم الواحد والاثنان وأكثر وأقل.
ولما كان يوم الجمعة المذكور توعّك فيه الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب، ومات من ليلته شبه الفجاءة من غير سابق مرض، وصلّى عليه من الغد بالمقعد من بيت قوصون، وحمل ودفن بالصحراء، وكان من محاسن الدنيا، يأتى التعريف بحاله في الوفيات كما هى عادة هذا الكتاب.
ثم أصبح يوم السبت سادس شهر ربيع الأول حضر المقرّ الجمالى الصاحبى ناظر الجيش والخاص «١» عند الأمير الكبير، وصحبته غالب مباشرى الدولة والقضاة، وكتبوا محضرا