للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلطنة، ولا ركب بشعار الملك؛ ترك ذلك لوقته، وصار الناس في خطابه من يومئذ على أقسام وألفاظ مختلفة، فمن الناس من صار يقول له: «يا خوند» ومنهم من يقول:

«أغاه» ، ومنهم من يقول: «الأمير الكبير» ، ومنهم من يقول: «السلطان» كلّ ذلك وهو على حالة جلوسه كأوّل يوم دخل إلى بيت قوصون المذكور، أعنى من أوّل يوم الوقعة ولم يتغيّر عليه شىء مما كان عليه، ولم يركب من المقعد المذكور من يوم قدم بيت قوصون غير مرة واحدة في يوم الثلاثاء، وعاد من وسط الحوش قبل أن يصل إلى باب البيت النافذ إلى الرّميلة «١» ، ردّه أصحابه إجلالا لقدره، وإنما كان يجلس هو بالمقعد، والأمراء عن يمينه ويساره جلوسا ووقوفا بين يديه، والمماليك والعساكر تخرج من بين يديه للقتال طائفة بعد أخرى باجتهاد وعمل جد في مدة هذه الأيام من غير أن يستحثهم أحد لذلك، وهذا شىء عظيم إلى الغاية. [الخفيف]

وإذا سخّر الإله أناسا ... لسعيد فإنهم سعداء

وكنت أنظر في تلك الأيام إلى وجه الأمير الكبير لأتحقّق هل هو مسرور أم محزون، فلا أعرف هذا منه لثباته في سائر أحواله، وسكونه وعقله، فإنه كان ينفذ الأمور على أحسن وجه من غير اضطراب ولا هرج، بتأنّ وتؤدة، وكلما وقع من أصحابه ما يخالف ذلك يأخذ في تسكينهم وثباتهم على القتال من غير عجلة، ثم يقول لهم:

«القلاع ما تؤخذ إلا بالصّبر والثبات والتأنى» .

ثم إن الأمير الكبير أمر في اليوم المذكور بعمل منبر ليخطب عليه قاضى القضاة بالبيت المذكور لصلاة الجمعة، فصنع ذلك في الحال، وتهيأ القوم لصلاة الجمعة، فلما دخل وقت الصلاة خطب قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى وصلّى بالأمير الكبير والخليفة وجميع العساكر بمقعد البيت المذكور، ثم انصرف القضاة بعد الصلاة إلى منازلهم.