الكبير هو والقضاة وشاهدوا المدافع التي ترمى عليهم من القلعة، وكان أهل القلعة في يومى الأربعاء والخميس قد أمعنوا في الرمى «١» من القلعة على «٢» الأمير الكبير وأصحابه حتى كان المدفع يصل إلى باب سرّ بيت قوصون الذي فيه الأمير الكبير، وربما عدّى الباب ووقع بالشارع على المارّ إلى صليبة ابن طولون، ولما حضرت القضاة عند الأمير الكبير تكلّموا مع الخليفة في خلع الملك المنصور عثمان بكلام طويل، ثم طلبوا بدر الدين ابن المصرى «٣» الموقّع فأملاه قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى الشافعى ألفاظا كتبها تتضمن القدح في الملك المنصور وخلعه من السلطنة، وكان ذلك في أوائل الساعة الثالثة من نهار الجمعة. وخلع الملك المنصور في اليوم المذكور من الملك وحكم القضاة بذلك.
فكانت مدة سلطنة الملك المنصور من يوم تسلطن بعد خلع أبيه الملك الظاهر جقمق في يوم الخميس حادى عشرين المحرم من سنة سبع وخمسين هذه إلى يوم الجمعة هذا شهرا واحدا وثلاثة عشر يوما، ولا نعرف أن سلطانا أقام هذه المدّة اليسيرة في ملك مصر في الدّولة التركية غيره، هذا مع كثرة عساكره ومماليك أبيه وحاشيته، وما أرى هذا إلا نوعا من المجازاة- انتهى.
ولما فرغ بدر الدين المصرى من كتابة الورقة أمره قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى أن يقرأ ما في الورقة على من حضر المجلس من الأمراء وغيرهم، وقرئت عليهم إلى آخرها، ثم سأل قاضى القضاة من حضر المجلس عن سلطنة الأمير الكبير إينال عليهم، فصاحوا بأجمعهم:«نحن راضون بالأمير الكبير» ، وكرّر القاضى عليهم القول غير مرّة، وهم يردون الجواب كمقالتهم أوّلا، وفرحوا بذلك، وسرّوا غاية السرور، وانفضّ المجلس على خلع الملك المنصور وسلطنة الأتابك إينال، غير أنه لم يلبس خلعة