وفي يوم الخميس ثالث صفر ثارت المماليك الأجلاب على السلطان، وأفحشوا فى أمره إلى الغاية. وخبر ذلك أن السلطان لما كان في يوم الخميس المذكور وهو جالس بقاعة الدهيشة، وكانت الخدمة بطّالة في هذا اليوم، وذلك قبل أن يصلى السلطان الصبح، وإذا بصياح المماليك، فأرسل السلطان يسأل عن الخبر، فقيل له إن المماليك أمسكوا نوكار الزّردكاش وهددوه بالضرب، وطلبوا منه القرقلات «١» التي وعدهم السلطان بها من الزّردخاناه السلطانية، فحلف لهم أنه يدفع لهم ذلك في أوّل الشّهر، فتركوه ومضوا، فلقوا الشيخ عليا الخراسانى الطويل محتسب القاهرة، وهو داخل إلى السلطان فاستقبلوه بالضّرب المبرح المتلف، وأخذوا عمامته من على رأسه، فرمى بنفسه إلى باب الحريم السلطانى حتى نجا.
وأما السلطان لما فرغ من صلاة الصّبح نزل وقعد على الدّكة بالحوش على العادة، ثم قام بعد فراغ الخدمة وعاد إلى الدّهيشة، وإذا بالصّياح قد قوى ثانيا، فعلم أن ذلك صياح الأجلاب، فأرسل إليهم الأمير يونس الدّوادار، فسألهم يونس المذكور عن سبب هذه الحركة، فقالوا: نريد نقبض جوامكنا، كل واحد سبعة أشرفيّة ذهبا «٢» ، وكانت جامكيّة الواحد منهم ألفين قبل تاريخه يأخذها ذهبا وفضة، بسعر الذهب تلك الأيام، فلما غلا سعر الذهب تحيّلوا على زيادة جوامكهم بهذه المندوحة، ثم قالوا:
ونريد أن تكون تفرقة الجامكية في ثلاثة أيام، أى على ثلاث نفقات «٣» كما كانت قديما، ونريد أيضا أن يكون عليقنا السلطانى الذي نأخذه من الشّونة مغربلا، ويكون مرتبنا من اللحم سمينا، فعاد الأمير يونس إلى السلطان بهذا الجواب، ولم يتفوّه به إلى السلطان، وتربّص عن ردّ الجواب على السلطان حتى يفرغ السلطان من أكل السّماط، فأبطأ الخبر لذلك عن الأجلاب، فندبوا مرجانا مقدّم المماليك للدخول بتلك المقالة إلى السلطان، فدخل مرجان أيضا ولم يخبر السلطان بشىء حتى فرغ من أكل