قرمان لم يقاتل العسكر السلطانى، بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحصّن بها هو وأعيان دولته، وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشى وغيرها مأكلة لمن يأكله، فحصل له بما أخذ له وهن عظيم في مملكته، فدقّت البشائر لهذا الخبر بالقاهرة أيّاما، ورسم السلطان من وقته بعود العسكر المذكور إلى الديار المصرية، وخرج النجّاب بهذا الأمر «١» .
ثم في يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان المذكور ركب المقام الشهابى أحمد بن السلطان من داره- قصر بكتمر تجاه الكبش- النّجب كما هى عادة أمراء الحج فى الركوب إلى المسايرة، وخرج من الصّليبة، وشقّ الرّميلة، وبين يديه هجّانة السلطان أمراء العرب، بالأكوار الذهب، والكنابيش الزّركش المغشاة بالأطلس الأصفر، وركب معه جماعة من الأمراء غير من يسافر معه، مثل: الأمير برد بك الدوادار الثانى، وسودون الإينالى المؤيّدى قراقاش ثانى رأس نوبة، وجماعة أخر، ولم يركب معه أحد من أمراء الألوف، ولا أعيان مباشرى الدّولة، حتى ولا كاتب السّرّ القاضى محب الدين ابن الأشقر، وهو ممن يسافر في هذه السّنة إلى الحج.
وسار ابن السلطان في موكبه المذكور من تحت القلعة إلى جهة خليج الزّعفران خارج القاهرة، ووصل هناك قبيل المغرب، وأفطر هناك، ثم عاد بعد صلاة العشاء، وشقّ الرّميلة ثانيا في عوده في زىّ بهيج إلى الغاية.
ثم في يوم الجمعة ثانى عشر شوال وصلت إلى القاهرة رمّة الأمير جانبك القرمانى الظاهرى حاجب الحجّاب، وقد مات بالقرب من منزلة الصالحيّة في عوده من تجريدة ابن قرمان، ثم عقب الخبر بموت جماعة كبيرة أيضا من العسكر المذكور، من مرض فشا فيهم من مدينة الرّملة كالوباء، مات منه خلائق بمرض واحد، ولم يعلم أحد ما سبب هذا العارض.