للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي لم نسمع بمثله في سالف الأعصار إلا قليلا، بحيث إنه أتى على غالب أملاك بولاق من ساحل النيل إلى خط البوصة التي هى محل دفن أموات أهل بولاق، وعجزت الأمراء والحكام عن إخماده.

وكان أمر هذا الحريق أنه لما كان صبيحة يوم الجمعة سادس رجب من سنة اثنتين وستين المذكورة هبّت ريح عظيمة مريسىّ «١» ، وعظمت حتى اقتلعت الأشجار وألقت بعض مبان، واستمرت في زيادة ونموّ إلى وقت صلاة الجمعة، فلما كان وقت الزّوال أو بعده بقليل احترق ربع الحاج عبيد البرددار بساحل البحر «٢» ، وذهب الرّبع في الحريق عن آخره ومات فيه جماعة من الناس، كلّ ذلك في أقلّ من ساعة رمل، ثم انتقلت النار إلى ربع القاضى زين الدين أبى بكر بن مزهر وغيره، وهبّت الرّياح وانتشرت النيران على الأماكن يمينا وشمالا «٣» ، هذا وحاجب الحجّاب «٤» وغيره من الأمراء والأعيان وكلّ أحد من الناس في غاية الاجتهاد في تخميد النار بالطفى والهدم، وهى لا تزداد إلا قوّة وانتشارا على الأماكن، إلى أن وصلت النار إلى ربع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وإلى الحواصل التي تحته، وأحرقت أعلاه وأسفله، وذهب فيه من بضائع الناس المخزونة فيه ما لا ينحصر كثرة «٥» ، وسارت النار إلى الدّور والأماكن من كل جهة.

هذا وقد حضر الحريق جميع أمراء الدولة بمماليكهم وحواشيهم، شيئا بعد شىء،