والأمر لا يزداد إلا شدّة، إلى أن صار الذي حضر من الناس لأجل طفى النار كالمتفرج من عظم النار والعجز عن إخمادها، وصارت النار إذا وقعت بمكان لا تزال به حتى يذهب جميعه، ويضمحل عن آخره، فعند ذلك فطن كل أحد أن النار تسير من دار إلى دار إلى أن تصل إلى القاهرة؛ لعظم ما شاهدوا من هولها، والريح المريسى يتداول هبوبها من أول النهار إلى نصف الليل، ولشدة هبوب الريح صارت رياحا لأنها بقت تارة تهب مريسيّا، وهو الأكثر، وتارة شمالا، وتارة غير ذلك من سائر الجهات، فيئس كل من كان له دار تحت الرّيح، وتحقّق زوالها، وشرع في نقل متاعه وأثاثه، وهو معذور في ذلك، لأننا لم نشاهد في عمرنا مثل هذا الحريق؛ لما اشتمل عليه من الأمور الغريبة، منها سرعة الإحراق، حتى إن الموضع العظيم من الأماكن الهائلة يذهب بالحريق في أسرع وقت، ومنها أن المكان العظيم كان يحترق وبجانبه مكان آخر لم تلحقه شرارة واحدة، وربما احترق الذي كان بالبعد عن تلك الدار المحروقة من شرارها، والتي بالقرب سالمة، ووقع ذلك بعدة أماكن، أعجبها وأغربها مسجد كان بالقرب من ساحل البحر وبه منارة من غرد «١» قصيرة، وكان هذا المسجد في وسط الحريق والشرار يتطاير من أعلاه من الجهات الأربع من أوّل الحريق إلى آخره، لم تتعلق به شرارة واحدة، وفي المسجد المذكور قبر رجل صالح مدفون فيه قديما يعرف بالشيخ محمد المغربى.
واستمر الأمراء والأعيان يشاهدون الحريق، ويطفئون ما قدروا عليه من أطراف المواضع المنفردة، وأمّا الحريق العظيم فلا يستجرئ أحد أن يقربه لعظمه بل يشاهدونه من بعد، واستمروا على ذلك إلى بعد أذان عشاء الآخرة، ثم ذهب كل واحد إلى داره والنار عمّالة إلى نصف الليل، فأخذ أمر الريح في انحطاط.
فلما كان باكر نهار السبت سابع شهر رجب المذكور نزل المقام الشهابى أحمد بن