السلطان من قلعة الجبل، وتوجّه إلى بولاق لأجل الحريق، فوجد جميع أمراء الدّولة هناك كما كانوا في أمسه، فلم يؤثر حضور الجميع في النار شيئا، غير أن الريح كان سكن وأخذت النار حدّها في الإحراق من كل مكان كانت به، فعند ذلك اجتهد كل أحد في إخمادها، وهدم ما تعلق به النار من الأماكن، وأقاموا على ذلك أيّاما كثيرة، والنار موجودة في الأماكن والجدر والحيطان، والناس تأتى لبولاق أفواجا أفواجا للفرجة على هذا الحريق العظيم، حتى صارت تلك الأماكن كبعض المفترجات، وعملت الشعراء والأدباء في هذا الحريق عدّة قصائد وقطع، وقد أنشدنى الشيخ علم الدين الإسعردىّ الحصنى «١» قصيدة من لفظه لنفسه في هذا المعنى أولها: [البسيط]
أتتهم الذاريات ذروا ... وتلوها العاصفات عصفا
أثبتّ هذه القصيدة في تاريخنا «الحوادث» كونه محل ذكر هذه الأشياء، والقصيدة المذكورة نظم عالم لا شاعر، وقد حرّرنا أيضا في تاريخنا «الحوادث» ما ذهب في هذا الحريق من الأماكن تخمينا، فكان عدة ما احترق فيه من الأرباع زيادة على ثلاثين ربعا، كلّ ربع يشتمل على مائة سكن وأكثر، أعنى أعاليه وأسفله، وما به من الحوانيت والمخازن ذكرناها في «الحوادث» بأسمائها، ماخلا الدور والأماكن والأفران والحوانيت وغير ذلك.
وقد اختلف في سبب هذا الحريق على أقوال كثيرة.
منهم من قال: إنها صاعقة نزلت من السماء والخطيب على المنبر.
ومنهم من قال: إنه نزلت من جهة السماء نوع شرارة فاحترق المكان الأول منها.