وكان التعريف في هذا اليوم ثلاثمائة وستة عشر نفرا، وكان الذي حرروه في السبع عشرة مصلاة ألف إنسان وتسعمائة إنسان وعشرة، وأنكر ذلك غير واحد من الناس استقلالا، بل قال بعضهم وبالغ: بأن عدة من يموت في اليوم بالقاهرة أكثر من ثلاثة آلاف نفر، واعتل بقوله إن الذين ندبوا لضبط المصلوات اشتغل كل منهم بنفسه وبمن عنده وبغلمانه «١» ،
قلت: الصواب بل الأصح مقالة الثانى لما شاهدناه من كثرة الجنائز، وازدحام الناس بكل مصلاة- والله أعلم.
وأما أمر الغلاء ففى هذا الشهر أبيع فيه القمح كل إردب بستمائة درهم، والبطة من الدقيق العلامة بمائة وسبعين درهما، والرطل الخبز بأربعة دراهم، وهو عزيز الوجود بالحوانيت في كثير من الأوقات، والشعير والفول وكلاهما بأربعمائة درهم الإردب، وهما في قلة إلى الغاية والنهاية، والحمل التبن بأربعمائة درهم ولا بدّ له من حارس من الأجناد يحرسه من المماليك الأجلاب، هذا والموت فيهم بالجريف «٢» - وصلوات الله على سيدنا عزرائيل- وما سوى ذلك من المأكل فسعره متحسن، لا كسعر الشعير والتبن والقمح والفول؛ كون هذه الأشياء يحتاج إليها الأجلاب، فيأخذونها بأبخس الأثمان، فترك الناس بيع هذه الأصناف إلا المحتاج، فعز وجودها لذلك.
ووقع للأجلاب في هذا الوباء أمور عجيبة؛ فإنهم لما فرغوا من أخذ بضائع الناس ظهر منهم في أيام الوباء أخذ إقطاعات الأجناد، فصاروا إذا رأوا شخصا على حانوت عطار أخذوه، وقالوا له: لعل الضعيف يكون له إقطاع، فإن كان له إقطاع عرفهم به؛ وإن لم يكن للضعيف إقطاع طال أمره معهم إلّا أن يخلصه منهم أحد من الأعيان.
ثم بدا لهم بعد ذلك أن كل من سمعوا له إقطاعا من أولاد الناس أو الأجناد القرانيص أخذوا إقطاعه، فإن كان صحيحا يرتجون مرضه، وإن كان ضعيفا ينتظرون