للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موته، فعلى هذا الحكم خرج إقطاع غالب الناس- الحى والميت- حتى إنهم فعلوا ذلك بعضهم مع بعض، فصار السلطان والناس في شغل شاغل، لأن الأجلاب صاروا يزدحمون عليه لأخذهم إقطاعات الناس، وعند ما يتفرغ من المماليك الأجلاب يتظلم كل أحد إليه ممن خرج إقطاعه وهو في قيد الحياة، فلم يسعه إلا ردّه عليه، فصار الإقطاع يخرج اليوم ويردّ إلى صاحبه في الغد، فصار يكتب في اليوم الواحد عدة مناشير ما بين إخراج وردّ، واستمر الناس على ذلك من أوّل الفصل إلى آخره.

وأغرب من هذا أن بعض الأجلاب اجتاز في عظم أيّام الوباء بالصحراء، فحازى جنازة امرأة على نعشها طرحة زركش، فاختطفها وساق فرسه فلم يوقف له على أثر.

ووقع لبعض الأجلاب أيضا أنه صدف في بعض الطرقات جنازة وهو سكران، فأمره المدير بالوقوف لتمر الجنازة عليه، فحنق منه، وأراد ضرب المدير، فهرب منه، فضرب الميت على رأسه، وقد شاهد ذلك جماعة كثيرة من الناس.

وفيما حكيناه كفاية عن فعل هؤلاء الظّلمة- ألا لعنة الله على الظالمين.

وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة وصل إلى القاهرة تغرى بردى الطيّارى الخاصكى المتوجه في الرّسلية إلى جزيرة قبرس، وصحبته جماعة كثيرة من ملوك الفرنج وأهل قبرس.

والقادمون من الفرنج على قسمين: فرقة تسأل إيقاء ملك قبرس على الملكة المتولية، وفرقة تسأل عزلها وتولية أخيها جاكم الفرنجى الذي قدم إلى القاهرة قبل تاريخه، فلم يبت السلطان الأمر من ولاية ولا عزل في هذا اليوم، وأحال الأمر إلى ما سيأتى ذكره.

وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة المذكورة عظم الطاعون بالقاهرة وظواهرها، واختلفت كلمة الحسّاب؛ لاشتغال كل أحد بنفسه وبمن عنده، فمنهم من قال: يموت في اليوم أربعة آلاف إنسان، ومنهم من قال: ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقاس