وغربا، من غير أمر يوجب ذلك، ووقع رعب السلطان في قلوب المفسدين حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يخرج من داره فكيف يقطع الطريق، فانطلقت الألسن بالدعاء للملك المؤيد هذا، وتبارك كل أحد بقدومه واستيلائه على الأمر، ومالت النفوس إلى محبته ميلا زائدا خارجا عن الحد؛ فإنه أول ما تسلطن قمع مماليك أبيه الأجلاب عن تلك الأفعال التي كانوا يفعلونها أيام أبيه، وهدّدهم بأنواع النكال إن لم يرجعوا، فرجع الغالب منهم عن أشياء كثيرة مما تقدم ذكرها، وعلم الناس من السلطان ذلك، فطمع كل أحد في الأجلاب فانحطّ قدرهم، حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يزجر غلامه ولا خدمه، فزاد حبّ الناس للملك المؤيّد لذلك، فكل من أحبه فهو معذور؛ لما قاست الناس منهم أيام أبيه من تلك الأفعال القبيحة، على أن الملك المؤيّد أيضا كان له في أيام والده مساوئ كثيرة من جهة حماياته البلاد والمراكب بساحل النيل، وأشياء أخر غير ذلك، فقاست الناس من حماياته أهوالا، فلما تسلطن ترك ذلك كله كأنه لم يكن، وأقبل على العدل وإرداع المفسدين، فبدّل في أيامه الجور بالعدل، والخوف بالأمن، والراحة بعد التعب- ولله الحمد.
وفيه عزل السلطان الصاحب شمس الدين منصورا عن الأستادارية، وخلع من الغد على مجد الدين أبى الفضل البقرى كامليّة بمقلب سمّور، باستقراره في الأستادارية، عوضا عن الشمسى منصور، ووعد بأنه يلبس خلعة وظيفة الأستادارية في يوم السبت أول جمادى الآخرة، فوقع ذلك «١» .
ثم في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة خلع السلطان على الصفوى جوهر النّوروزىّ الطواشى الحبشى بإعادته إلى تقدمة المماليك السلطانية، بعد موت الطواشى مرجان الحصنى الحبشى.
وفي هذه الأيام أشيع «٢» بين الناس «٣» بركوب المماليك السلطانية على السلطان بعد النفقة،