وإذا أبعدت مماليك والدك فمن تقرب؟ فكأنه مال لهذا القول الواهى واستحسنه، وهذا نوع مما كنا فيه أولا من أنه ما كان عنده من يرشده إلى الطريق.
ثم كلم الملك المؤيد المماليك أيضا في السفر، فاعتلّوا بطلب الجمال، فأراد تفرقة الجمال، فلم يأخذوها، واستمروا على ذلك، وسكنت «١» حركة السفر بسكات السلطان، وبذلك فشا انحطاط قدره وتلاشى أمره، بعد أن كان له حرمة عظيمة، ورعب في القلوب.
فلقد رأيت في تلك الأيام شخصا من أوباش المماليك الظاهرية يكلم الأمير بردبك الدوادار الثانى بكلام لو كلّمه لمن يكون فيه شهامة لحمل السلطان على شنقه في الحال، وكان ذلك هو الحزم على قول بعض النّهابة:«إما إكديش، أو نشابة للريش» ، وتلافى الأمور إما يكون بها أو عليها، والحزم إنما هو الشد على من عين وسفرهم غصبا، فإن تم ذلك فقدها به كل أحد، وقد قيل «من هاب خاف «٢» » أو اللين والتلطف بمن كتب «٣» والاعتذار لهم عن عدم كتابته لمماليك أبيه الأجلاب، بقوله: ما منعنى أن أكتب هؤلاء معكم إلا أنهم ليسوا بأهل لمرافقتكم، فحيثما أحببتموا ذلك فأنا أكتب منهم جماعة، ثم يكتب منهم عدة، فإن تم ذلك ومشى فالأمر إليك بعد سفرهم دبّر ما شئت، وإن لم يتم فبادر للفعل الأول بكل ما تصل قدرتك إليه واستعمل قول المتنبى فى قوله من قصيدته المشهورة:[الكامل]
لا يخدعنك من عدوّك دمعه ... وارحم شبابك من عدو ترحم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
فلم يقع منه ذلك، ولا ما يشبهه، ولا أشار «٤» عليه أحد من أصدقائه بشىء يكون فيه مصلحة لثبات ملكه، بل سكت كل أحد عنه، وصار كالمتفرج، إما لبغض فيه، أو لقلة معرفة بالأمور.