وعند ما جلس بالمقعد ظهر على الأشرفية وغيرهم اختلال أمرهم لاختلاف كلمتهم من سوء آرائهم المفلوكة، ولعدم تدبيرهم، فإن الصّواب كان جلوسه بالتربة المذكورة، إلى أن يستفحل أمرهم، وأيضا إنهم لما أوصلوه إلى بيت قوصون ذهب غالبهم ليتجهز للقتال، وبقى جرباش في أناس قليلة.
وأما الملك الظاهر خشقدم فإنه لما بلغ الملك الظاهر والظاهرية أمرهم طلعوا بأجمعهم إلى القلعة، وانضم عليهم أيضا خلائق، لعظم شوكة السلطنة من خچداشية السلطان المؤيدية وغيرهم، وأخذوا السلطان ونزلوا به من القصر إلى مقعد الإسطبل السلطانى أعلى باب السلسلة، وعليهم السلاح، ودقت الكئوسات بالقلعة، وشرعوا في القتال.
وبينما هم في تناوش قتال جرباش، وقد رأى جرباش أن أمره لا ينتج منه شىء، تدارك فرطه، وقام من وقته، وركب وطلع إلى القلعة طائعا إلى السلطان، وقبّل الأرض واعتذر بالإكراه، فقبل السلطان منه عذره «١» ، وفي النفس من ذلك شىء، وانهزمت الأشرفية الكبار.
وهذا ذنب ثان للأشرفية عند السلطان- والذنب الأول قصة خچداشهم جانم والثانى هذا- وانهزم جميع من كان انضم على جرباش المذكور، وتوجّه كلّ منهم إلى حال سبيله، فتجاهل السلطان عليهم، وزعم أنه قبل أعذارهم إلى أن تمّ أمره، فمدّ يده يمسك وينفى، ويكتب إلى التجاريد والسّخر، إلى أن أبادهم.
ثم في يوم الجمعة سابع عشرين ذى الحجة المذكور أخذوا الأمراء الممسوكين، ونزلوا بهم إلى حبس الإسكندرية.
وفي يوم الاثنين سلخ ذى الحجة خلع السلطان على جميع أمراء الألوف، كل واحد كاملية بمقلب سمّور، وأنعم على الأمير تمربغا الظاهرى القادم من مكّة بإمرة مائة وتقدمة