فلما كان يوم الجمعة العشرين من المحرم وصل الحاج الرجبى، وعظيم من كان فيه زين الدين بن مزهر كاتب السّرّ المقدم ذكره، وأمير حاج الركب الأول الأمير سيباى إلى بركة الحاج معا، بعد أن قاست الحجاج أهوالا وشدائد من عدم الميرة والعلوفة وقلّة الظهر، ودخل نانق أمير الحاج من الغد.
فلما كان يوم الاثنين ثالث عشرين المحرم عيّن السلطان الأمير أزبك رأس نوبة النّوب الظاهرى، والأمير جانبك حاجب الحجّاب الأشرفى المعروف بقلقسيز، وصحبتهما أربعة من أمراء العشرات، وهم دولات باى الأبوبكرى المؤيّدى، وقطلباى الأشرفى، وتنبك الأشرفى، وتغرى بردى الطيّارى، وعدّة مماليك من المماليك السلطانية، لقتال مبارك شيخ عرب بنى عقبة ومن معه من الأعراب، وكتب السلطان أيضا لنائب الكرك الأمير بلاط، ونائب غزّة الأمير إينال الأشقر، بالمسير إلى جهة الأمير أزبك بعقبة أيلة، ومساعدته على قتال مبارك المذكور، وخرج الأمير أزبك بمن عيّن معه من القاهرة في يوم الاثنين سابع صفر.
كل ذلك والسلطان متوعك بالإسهال، وهو لا ينقطع عن الخروج إلى الحوش، بل يتجلّد غاية التجلّد، حتى إنه عمل الموكب في هذا اليوم بالقصر لأجل خروج الأمير أزبك، وهذا آخر موكب عمله الملك الظاهر خشقدم بالقصر السلطانى.
فلما كان يوم الخميس عاشر صفر أرجف بموته، وأشيع ذلك إشاعة خفيفة في ألسنة العوام.
فلما كان يوم الجمعة حادى عشره خرج السلطان الملك الظاهر خشقدم إلى صلاة الجمعة من باب الحريم ماشيا على قدميه من غير مساعدة، وعليه قماش الموكب الفوقانى، والسيف والكلفتاة على العادة، وصلى الجمعة وسنّتها قائما على قدميه، هذا وقد أخذ منه المرض الحدّ المؤلم، وهو يستعمل التجلّد وإظهار القوة، إلى أن فرغت الصلاة، وعاد إلى الحريم ماشيا أيضا، ولكن القاضى الشافعى أسرع في الخطبة والصلاة إلى الغاية حسبما كان أشار إليه السلطان بذلك، بحيث إن الخطبة والصلاة كانتا على نحو ثلاث درج رمل وبعض دقائق.