وكان له إلمام ببعض القراءات، ويبحث مع الفقهاء، وله فهم وذوق بحسب الحال، وكان كثير الأدب، ويجلّ العلماء ويقوم لغالبهم إن قدم أحد منهم عليه، مع حشمة كانت فيه وأدب في كلامه ولفظه، وكان يتكلم باللغة العربية كلاما يقارب الفصاحة على عجمة كانت في لسانه قليلة، وذلك بالنسبة إلى أبناء جنسه.
وكان يميل إلى جمع المال ويشره في ذلك من أى وجه كان جمعه، وله في ذلك أعذار كثيرة مقبولة وغير مقبولة، وعظم في أواخر عمره من سلطنته، وضخم وكبرت هيئته في قلوب عساكره ورعيته لبطن صار فيه، وإقدام على المهولات مع دربة ومعرفة فيما يفعله، فإن كان المسىء ممن يتلافى أمره زجره ولقنه حجته بدربة ولباقة، وإن كان ممن لا يخاف عاقبته قاصصه بما يردع به أمثاله، من الضرب المبرح والنفى، وعدّ ذلك من معايبه، يقول من قال:«القوة على الضعيف ضعف في القوة» .
ومن ذلك أيضا أنه كان في الغالب يقدم على ما يفعله من غير مشورة ولا تأن، ولهذا كانت أموره تنتقض في بعض الأحيان، بل في كثير من الأحيان، ومما كان يعاب به عليه إمساكه، وتشويش المماليك الذين كان اشتراهم في أيام سلطنته الأجلاب، مع أنه- رحمه الله تعالى- كان كثيرا ما ينهاهم عن أفعالهم القبيحة، ويردع بعضهم بالحبس والضرب والنفى وأنواع النّكال، وهذا بخلاف من كان قبله من الملوك، وكان له عذر مقبول في إنشائه هذه المماليك الأجلاب، لا ينبغى لى ذكره؛ يعرفه الحاذق، ومن كل وجه فالمال محبوب على كل حال، وبالجملة إنه كانت «١» محاسنه أضعاف مساوئه، وأيامه غرر أيام، لولا ما شان سؤدده وممالكه «٢» ، ولله در القائل:
[الطويل]
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه «٣»
وعلى كل وجه هو من عظماء الملوك وأجلّائهم وأخفهم وطأة، مع شدة كانت فيه