للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما صلّى عليه بباب القلّة، وحمل نعشه، وعلى نعشه مرقّعة الفقراء، ساروا به إلى أن أنزلوه من باب المدرج، ولم يكن معه كثير خلق، بل جميع من كان معه أمام نعشه، وحوله وخلفه من الأمراء والخاصكية دون العشرين نفرا، والأكثر منهم أجناد؛ فإنه لم ينزل معه أحد من أمراء الألوف كما هى العادة، ولا أحد من المباشرين غير الأمير شرف الدين بن كاتب غريب الأستادار وجماعة من أمراء الطبلخانات والعشرات، وساروا به وقد ازدحمت الناس والعوام حول نعشه، إلى أن وصلوه إلى تربته ومدرسته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النّصر، ودفن بالقبة التي بالمدرسة المذكورة، وحضرت أنا دفنه- رحمه الله تعالى- ولم تتأسف الناس عليه يوم موته ذاك التأسّف العظيم، لكن تأسّفوا عليه بعد ذلك تأسّفا عظيما لما تسلطن بعده الأتابك يلباى، بل عظم فقده عند سلطنة يلباى على الناس قاطبة.

ومات الملك الظاهر خشقدم- رحمه الله تعالى- وسنه نحو خمس وستين سنة تخمينا، هكذا أملى علىّ من لفظه بعد سلطنته.

وكان الملك الظاهر خشقدم- رحمه الله تعالى- سلطانا جليلا عظيما، عاقلا مهابا، عارفا صبورا، مدبرا سيوسا، حشما متجملا في ملبسه ومركبه وشأنه إلى الغاية، بحيث إنه كان لا يعجبه من البعلبكى الأبيض إلا ما تزيد قيمته على ثلاثين دينارا، فما بالك بالصوف والسمّور وغير ذلك، وكان يقتنى من كل شىء أحسنه، وكان مع هذا التأنق لائقا في شكله وملبسه ومركبه، نشأ على ذلك عمره كله، أعرفه جنديا إلى أن صار سلطانا، وهو متجمل في ملبسه على ما حكيناه.

وكان مليح الشكل للطول أقرب، أعنى معتدل القامة، نحيف البدن، أبيض اللون، تعلوه صفرة ذهبية حسنة، كبير اللحية، تضرب إلى شقرة، قد شاب أكثرها، حسن فيها، وكان رشيق الحركات، خليقا للملك، عارفا بأنواع الملاعيب، كالرّمح والكرة، وسوق المحمل، له عمل كبير في ذلك أيام شبوبيّته، وله مشاركة في غير ذلك من أنواع الملاعيب جيدة.