معنى، ليس له في المجلس إلا الحضور بالجثة، وجلس الأتابك يلباى في صدر المجلس وبإزائه الأمير تمربغا أمير مجلس، وهو متكلّم القوم، ولم يحضر قرقماس أمير سلاح لإقامته بساحل النيل كما تقدّم، وحضر جماعة من أمراء الألوف وكبير الظاهرية الخشقدميّة يوم ذاك خيربك الدّوادار الثانى، وأخذوا في الكلام إلى أن وقع الاتفاق بينهم على سلطنة الأتابك يلباى، ورضى به عظيم الأمراء الظاهرية الكبار الأمير تمربغا أمير مجلس، وكبير الظاهرية الصغار الخشقدميّة خيربك الدّوادار، وجميع من حضر، وكان رضاء الظاهرية الكبار بسلطنة يلباى بخلاف الظنّ، وكذلك الطاهريّة الصغار.
ثم تكلّم بعضهم بأن القوم يريدون من الأمير الكبير أن يحلف لهم بما يطمئن به قلوبهم وخواطرهم، فتناول المصحف الشريف بيده، وحلف لهم يمينا بما أرادوه، ثم حلف الأمير تمربغا أمير مجلس، وشرح اليمين وكيفيته معروفة، فإنه يمين لتمشية الحال، وأرادوا خيربك أن يحلف، فقال ما معناه. «نحن نخشاكم فحلّفناكم، فنحن نحلف على ماذا؟» .
ثم انفضّ المجلس ونزل الأتابك يلباى إلى داره وبين يديه وجوه الأمراء، ولم يحضر الأمير قايتباى الظاهرى معهم عند الاتفاق واكتفى عن الحضور بكبيرهم الأمير تمربغا الظاهرى، كل ذلك قبل الظهر بيسير، فلم يكن بعد أذان الظهر إلا بنحو ساعة رمل لا غير ومات السلطان بقاعة البيسرية، بعد أذان الظهر بدرجات، وفي حال وفاته طلعت جميع الأمراء إلى القلعة، وأخذوا في تجهيز السلطان الملك الظاهر خشقدم رحمه الله تعالى، وغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه بباب القلّة من قلعة الجبل، كل ذلك قبل أن تبايع العساكر يلباى المذكور بالسلطنة كما سنذكره في سلطنة الأتابك يلباى، وهذا الذي وقع من تجهيز السلطان وإخراجه قبل أن يتسلطن سلطان بخلاف العادة، فإن «١» العادة جرت أنه «٢» لا يجهّز سلطان إلا بعد أن يتسلطن سلطان غيره، ثم يأخذون بعد ذلك في تجهيزه- انتهى.