ما شئت أن تقيس، ثم أعلم أنه لم يخلف بعده مثله، وإن أشكل عليك هذا القول، فسل من أحد من أمرائك العصريّين عشرة من الإبل، فإن أعطاك فاشكر مولاك، واعلم أنّ الناس فيهم بقية كرم، وإن لم يعطك فاشهد بصدق مقالتى.
وعلى كل حال إنه كان ملكا كريما جليلا، مهابا شهما، عارفا حاذقا فطنا، فصيح العبارة في اللغة العربية والتركية بالنسبة لأبناء جنسه، وكان قصير القامة مع كيس فى قدّه، وظرف في تناسب أعضائه بعضها لبعض، وكان سيوسا حسن التدبير، ومن حسن سياسته أنه لم ينحطّ قدره بعد زوال دولة أستاذه الملك الظاهر جقمق، بل زادت حرمته أضعاف ما كانت في أيّام أستاذه، مع كثرة حكّام الدولة الأشرفية الإينالية وتفرّق كلمتهم، فساس كل واحد بحسب حاله، وأقام في دولتهم عظيما مبجّلا، وبوجوده كان أكبر الأسباب في إعادة دولة خچداشيته بعد موت الملك الأشرف إينال، وبالجملة إنه كان نادرة من نوادر دهره- رحمه الله تعالى- وقد استوعبت أحواله في غير هذا المصنف بأطول من هذا بحسب الباعثة والقريحة، ورثيته بقصيدة نونية في غاية الحسن- عفا الله عنه وصالح عنه أخصامه بمنّه وكرمه.
وتوفّى الأمير سيف الدين تنم رصاص من نخشايش الظاهرى المحتسب، أحد أمراء الطبلخانات، قتيلا بيد المماليك الأجلاب مع الأمير جانبك الدّوادار، وقد تقدّم ذكر قتله فيما تقدم.
وكان تنم هذا من عتقاء الملك الظاهر جقمق وخاصكيته، وترقّى بعد موته إلى أن ولى حسبة القاهرة في أواخر دولة الملك الأشرف إينال، ثم صار أمير عشرة في أوائل دولة الملك الظاهر خشقدم، ثم نقل إلى إمرة طبلخاناه، ودام على ذلك إلى أن قتل فى التاريخ المذكور في قصة الأمير جانبك، وهو يوم الثلاثاء أول ذى الحجة، وكان شابا مليح الشكل، شجاعا عارفا، كريما لسنا، متحركا حاضر الجواب، وكان أحد أعوان الأمير جانبك الدّوادار في مقاصده- رحمهما الله تعالى، وعفا عنهما أجمعين.