وأما ملوك اليمن والحجاز والهند فإنه أوقفنى مرّة على عدّة كثيرة من مكاتبات ملوك الهند، وبعضها مشتمل على نظم ونثر وفصاحة وبلاغة، وأماما كان يأتيه من ملوك الهند من الهدايا والتحف فشىء لا يحصر كثرة، وتضاعفت الهدايا له في هذه الدولة أضعاف ما كان يهدى إليه أوّلا، وقال له الدهر: خذ، فأخذ وأعطى حتى أسرف وبذّر، بحيث إنه لم يكن أحد من خچداشيته وغيرهم مع كثرتهم [له مال]«١» إلا من إنعامه عليه، أو هو ساكن في بيت أنعمه عليه، والذي أعرف أنا: أنه وهب تسعة دور من بيوت مقدمى الألوف بالدّيار المصريّة على تسعة نفر من خچداشيته الأكابر الأمراء وغيرهم، وقس على هذا من الخيول والقماش، وكان في مجاورتى بمكة في سنة ثلاث وستين يلازمنى وألازمه في الحرم كثيرا، ولم أنظره تصدّق على أحد فيما تصدّق به أقل من عشرة أشرفية، هذا مع اقتنائه من كل شىء أحسنه وأجمله وأكثره، لا سيما بركه «٢» وخيمه، فكان إليها المنتهى في الحسن، يضرب بها المثل.
وبكفيك من علو همته أنه أنشأ بداره بستانا أزيد من مائة فدان، بابه الواحد «٣» من داره قريب من خط قناطر السباع «٤» ، وبابه الآخر تجاه الروضة، ثم أنشأ به تلك القبة العظيمة والرصيف الهائل تجاه الروضة، وبالجملة والتفصيل إن بابه كان محط «٥» الرحال، وملجأ الطالبين الملهوفين، ونصرة المظلومين، وكثرة المحتاجين، فإنه كان يعطى الألفين دينارا دفعة واحدة إلى مادونها، وكان يعطى من المغلّ ألف أردب دفعة واحدة أيضا فى يوم واحد إلى ما دونها إلى عشرة أرادب، وأعطى في يوم واحد لبعض أعيان خچداشيتة مائة ناقة بأتباعها، يعرف هذا كلّ أحد، فقس على كرمه أيها المتأمل