للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أمر السلطان الأمير جانبك كوهيّة الدوادار الثانى أن يخرج ويتولّى أمرهما وتجهيزهما والصلاة عليهما، فخرج وفعل ذلك وصلى عليهما بباب القلّة ووجّههما على نعوشهما إلى محل دفنهما، وليس معهما كثير ناس بل جميع من كان معهما دون عشرة نفر، فدفن الأمير جانبك بتربته التي أنشأها خارج باب القرافة، ودفن الأمير تنم عند ليث ابن سعد «١» .

وكثر أسف الناس على الأمير جانبك إلى الغاية، وعظمت مصيبته على أصحابه وخچداشيته، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان، ورثاه بعضهم، وقالت المذاكرة في أمره قطعا في كيفية قتلته «٢» ، وفي عدم وفاء السلطان على ما كان قام بأمره حتى سلطنه وثبّت قواعد ملكه، واضطرب ملك الملك الظاهر خشقدم بقتله، وخاف كل أحد من خچداشيته وغيرهم على نفسه، وماجت المملكة وكثر الكلام في الدولة، ووقع أمور بعد ذلك ذكرناها في وقتها، ليس لذكرها هنا محل- انتهى.

ومات الأمير جانبك- رحمه الله تعالى- وهو في أوائل الكهولية، غير أنه كان بادره الشيب ببعض لحيته، وكان- رحمه الله تعالى- أصله چاركسى الجنس وجلب إلى الديار المصرية، وتنقّل من ملك واحد إلى آخر- ذكرنا أسماءهم في ترجمته فى غير موضع من مصنفاتنا- إلى أن ملكه الملك الظاهر جقمق في أيام إمرته وأعتقه، فلما تسلطن جعله خاصكيا وقرّبه، ولا زال يرقيه حتى أمّره وولاه بندر جدّة، ونالته السعادة في أيام أستاذه، وعظم وضخم ونهض في إمرة جدّة، بحيث إنه صار في وقته حاكم الحجاز جميعه حتى مات- فى دولة أستاذه وفي دولة غيره- وقد حررنا ذلك جميعه في «الحوادث» وغيره، وعظم بآخره عظمة زائدة، لا سيما لما ولى الدّوادارية الكبرى في دولة الملك الظاهر خشقدم، وصار هو مدبّر المملكة، وشاع ذكره، وبعد صيته، حتى كاتبه ملوك الأقطار من كل جهة وقطر.