القماش وغطّوه بحصير ورجعوا إلى جهة باب القلّة، ليلقوا من ندبوا إلى قتله أيضا من خچداشيته، فوافوا الأمير تنم رصاص الظاهرى المحتسب، وأحد أمراء الطبلخانات، قد أقبل في أثر الأمير جانبك المذكور فقصدوه، فاستجار بمقدّم المماليك أو بجماعة من إنّياته، فلم يغنوا عنه شيئا، وتناولته الأيدى بالضرب، فهجّ فيهم، وخرج من بينهم، وهو بغير سلاح، ومضى إلى جهة القصر، وهم في أثره في الظلام، ثم عاد وهم فى أثره إلى جهة الجامع حيث قتل الأمير جانبك، وقد ظفر منهم بعصاة، فضربهم بها، ودفع عن نفسه مع كثرة عددهم، وكاد أن ينجو منهم، فبادره بعضهم، وضربه بسيف ضربة طارت يده منها، ثم تكاثروا عليه بالضرب حتى ظنوا أنه مات، فحملته إنّياته إلى طبقته وبه رمق، وأخذوا في مداواة جراحه، فمات بعد قليل، ذلك والنجوم ظاهرة بالسماء.
ولما وقع هذا أغلقت أبواب القلعة، وماجت الناس، وذهب كلّ واحد من الأمراء والخاصكية إلى جهة من جهات القلعة، وأما السلطان فإنه كان جالسا بقاعة الدّهيشة والشمعة تقد بين يدية بعد أن صلّى الصبح، فدخل إليه جانم دوادار الأمير جانبك المذكور، ولم يعلم جانم بقتل أستاذه، وعرّف السلطان أن المماليك الأجلاب منعت أستاذه من الدخول إلى السلطان، فسكت السلطان، لعلمه بباطن الأمر، ثم قال بعد ساعة:«أيش الخبر؟» فقال له بعض من حضر من الأمراء: «خير» فقال غيره:
«وأى خير» والقائل الأول جانبك كوهيّة، والثانى مغلباى طاز وكلاهما مؤيّدى، ثم سكتوا فقال الأمير يلباى المؤيّدى الأمير آخور الكبير:«ما بقى اليوم خدمة؟» فقال السلطان: بلى نخرج إلى الحوش، وخرج إلى الحوش، وجلس على الدّكة، وذلك بعد طلوع الشمس، وجميع أبواب الحوش والقلعة مغلقة، فجلس السلطان ساعة وليس عنده الصحيح من خبر جانبك، إلى أن جاءه نائب المقدم وغيره، وأعلموا السلطان سرّا بواقعة الأمير جانبك وقتله، فقال السلطان إلى الخازندار:«أخرج ثوبين بعلبكيا لتكفين الأمير جانبك وتنم رصاص» .