الملك الظاهر جقمق في أواخر شوال، وكان الذي أمسكه الملك الظاهر يلباى، وكان يوم ذاك أمير عشرة، فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بقرية سرياقوس، زيادة على ما بيده لكونه قبض على الملك العزيز في الليل، وطلع به إلى السلطان، ولما ظفر به الملك الظاهر جقمق حبسه بالدّور السلطانية، ثم بعثه إلى سجن الإسكندرية، فحبس بها إلى أن أطلقه الملك الظاهر خشقدم في أوائل سلطنته، هو والملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق، وسكن العزيز بدار في الإسكندرية إلى أن مات بها في التاريخ المقدّم ذكره، بعد أن قضى من عمره أياما عجيبة من حبس وقهر وتنغّص عيش- عوّضه الله الجنة بمنه وكرمه.
وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد المجذوب عمر الببانى «١» الكردى بسكنه بجامع قيدان «٢» على الخليج بالقرب من قناطر الأوز «٣» خارج القاهرة، فى ليلة الجمعة سلخ محرم هذه السنة، وصلى عليه ثلاث مرار، مرّة بجامع قيدان حيث كان سكنه ووفاته، ومرّة في الطريق، ومرّة حيث دفن بتربة الملك الظاهر خشقدم في الصحراء، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية، بحيث إن نعشة رفع على الأصابع من كثرة الناس مع هذا المدى البعيد، ومات وقد جاوز الستين، وكان أصله ببانيّا- طائفة من الأكراد- ولد هناك وقدم القاهرة، ونزل صوفيا بخانقاه سعيد السعداء، ودام على ذلك دهرا إلى أن ظنّ منه نوع من الجنون الذي يسميه الفقراء جذبة، فنقله أهل الخانقاه عنهم، فسكن بدار، ثم انتقل إلى جامع قيدان، فدام به سنين كثيرة، وبه اشتهر بالصّلاح، وقصدته الناس للزيارة والتّبرّك بدعائه، مع أنه كان لا يقبل من أحد شيئا إلا نوع الأكل، وكانت جذبته غير مطبقة،