لأن البباوى هذا مع انحطاط قدره وجهله ووضاعته وسفالة أصله، مع عدم معرفته بالكتابة والقراءة، فإنه كان أمّيّا لا ينطق بحرف من حروف الهجاء، إلا إن كان تلقينا، ومع هذا كله كان غير لائق في زيّه، فباشر نظر الدّولة مدّة يسيرة، واختفى الأمير زين الدين الأستادار وولى الأستادارية من بعده المجد بن البقرى، وشغر الوزر عنه، وطلب السلطان البباوىّ هذا وولّاه الوزر في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الأول من سنة ثمان وستين وثمانمائة، وصار وزير الديار المصرية، فلم نعلم بأقبح حادثة وقعت في الديار المصرية قديما وحديثا من ولاية البباوى هذا للوزر؛ لأنه كان أحد الأعوام الأوباش الأطراف السّوقة، ووثب على هذه الوظيفة العظيمة التي هى أجلّ وظائف الدنيا بعد الخلافة شرقا وغربا، وقد وليها قديما جماعة كثيرة بالديار المصرية وغيرها من سادات الناس من زمن عبد الملك بن مروان إلى أيام الملك الظاهر بيبرس البندقدارى، وهى إلى الآن أرفع الوظائف قدرا في سائر بلاد الله، وفي كل قطر من الأقطار إلا الديار المصرية فإنه انحطّ بها قدرها، ووليها من الأوباش وصغار الكتبة جماعة من أوائل القرن التاسع إلى يومنا هذا، فالذى وليها في عصرنا هذا ممن لا يصلح لولايتها ابن النجّار، وعلى بن الأهناسى البرددار، وأبوه الحاج محمد المقدّم [ذكره]«١» ، ويونس بن جربغا دوادار فيروز النّوروزى، وغيرهم من هذه المقولة، ومع هذا كله بلاء أعظم من بلاء، وأعظم الكل ولاية البباوى هذه، فإن كل واحد ممن ذكرنا من الذين ولّوا الوزر كان لكل واحد ميزة في نفسه، وقد تقدّم له نوع من أنواع الخدم والمباشرات، إلا البباوى هذا فإنه لم يتقدّم له نوع من أنواع الرئاسة، ومع هذه المساوئ باشر بظلم وعسف وعدم حشمة وقلة أدب مع الأكابر والأعيان، وساءت سيرته، وكثر الدعاء عليه، إلى أن أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، وأراح الله المسلمين منه؛ وقد هجاه الشعراء بأهاج كثيرة، ذكرنا بعضها في تاريخنا «الحوادث» ، وأنا أستغفر الله من لفظة وقعت منى في ترجمته، فإنى قلت في آخر ترجمته: ما ولى الوزر في الدنيا أحد أخسّ