للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخالية، فيما أظن بمدينة شماخى «١» ولم تحرّر وفاته إلا في هذه السنة لبعد المسافة، ومات بعد أن ملك نحو أربعين سنة، وكان من أجلّ ملوك الشرق قدرا وأحسنهم سيرة، وأجودهم بضاعة وأكثرهم سياسة، وأحزمهم رأيا، وهو آخر من كان بقى من أكابر الملوك، وهو أحد من أوصاه السلطان مرادبك بن محمد بن عثمان ملك الرّوم على ولده محمد صاحب الروم في زماننا هذا، وقد ذكرنا أمره محررا فى «الحوادث» - رحمه الله تعالى.

وتوفّى الوزير شمس الدين محمد البباوى، غريقا ببحر النيل بساحل بولاق بالقرب من فم الخور، وقت المغرب من يوم الأربعاء ثامن عشرين ذى الحجة، وهو في الكهولية؛ وكان سبب موته أنه توجه في مركب عقيبة «٢» إلى ناحية طناش بالجيزية أو غيرها، وعاد فغرق من شردريح وافى مركبه قلبتها، ولله الحمد.

وكان اللباوى هذا أصله من بباالكبرى بالوجه القبلى، كان بها خفيرا، وقيل راعيا، وقيل غير ذلك، وقدم القاهرة، وصار بخدمة بعض الطباخين مرقدارا، ثم صار صبيا عند بعض معاملى اللحم، ولا زال ينتقل في هذه الصناعات إلى أن صار معاملا، وحسنت حاله، وركب حمارا، ولا زال أمره ينمو في صناعته إلى أن أثرى، وحصّل مالا كثيرا، وصار معوّل الوزراء عليه في حمل اللحم المرتب للمماليك السلطانية، وبقى يركب بغلا بنصف رحل بسلخ جلد خروف «٣» ، ويلبس قميصا أزرق كأكابر المعاملين.

وسمع الملك الظاهر خشقدم بسعة ماله- وكان من الخسّة والطمع في محل كبير- فاحتال على أخذ ماله بأن ولّاه نظر الدّولة في أوائل ذى الحجة من سنة سبع وستين، ولبس البباوى العمامة والفرجيّة والخفّ والمهماز، وتزيّا بزى الكتاب، وترك زىّ المعاملين «٤» ، فشقّ ذلك على الناس قاطبة، وعدّوا ذلك من قبائح الملك الظاهر خشقدم،