والأدب والمحاضرة الحسنة والمذاكرة الحلوة، مع عقل تام وتؤدة في كلامه ولفظه، غير فحّاش ولا سبّاب.
وكان فيه أولا في مبدأ أمره بعيض شمم وتعاظم، فلما نقل إلى المناصب الجليلة تغيّر عن ذلك كله، لا سيما لما تسلطن صار كالماء الزلال، وأظهر من الحشمة والأدب والاتّضاع مالا عين رأت ولا أذن سمعت، وبقى يقوم لغالب من يأتيه من أصاغر طلبة العلم ذهابا وإيابا، ويجلّ العلماء والفقراء، وسلك مع الناس مسالك استجلب بها قلوب الخاص والعام.
ولما دام جلوسه يومه كله بالقصر السلطانى جلوسا عاما لتهنئة الناس، وهنّأه الناس على قدر منازلهم، فصار يلقى كلّ من دخل إليه بالبشاشة والإكرام وحسن الردّ بلسان فصيح مع تؤدة ورئاسة وإنصاف، فتزايد سرور الناس به أضعاف مسرتهم أولا، وبالله أقسم إنى لم أر فيما رأيت أطلق وجها ولا أحسن عبارة ولا أحشم مجلسا في ملوك مصر منه.
ولما كان عصر نهار السبت المذكور أخذ الأمير قانى بك المحمودى المؤيّدى أمير سلاح من اختفائه ببيت الشيخ سيف الدين الحنفى، فقيّد وحبس بعد أن نهبت العامة بيته، وأخذت أمواله من غير إذن السلطان ولا إذن أحد من أرباب الدولة، بل بأمر الغوغاء والسواد الأعظم يوم الوقعة عند انهزام يشبك الفقيه الدّوادار واختفائه، وكان هذا المسكين جميع ماله من المال والسكر والقنود والأعسال والقماش في داره، فنهب ذلك جميعه، وما ذاك إلا لصدق «١» الخبر: «بشّر مال البخيل بحادث أو وارث» ، وكذلك فعلته العامة والغوغاء في بيت الأمير يشبك الفقيه الدّوادار، ولكن ما أخذ من بيت قانى بك من المتاع والمال أكثر.
وفيه شفع الأمير قايتباى المحمودى في الأمير مغلباى طاز المؤيّدى، فقبل السلطان شفاعته ورسم له بالتوجه إلى دمياط بطّالا.