سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها هبّت ريح بالعراق شديدة السّموم لم يعهد مثلها، أحرقت زرع الكوفة والبصرة وبغداد وقتلت المسافرين، ودامت خمسين يوما، ثم اتّصلت بهمذان فأحرقت أيضا الزرع والمواشى، ثم اتّصلت بالموصل وسنجار «١» ، ومنعت الناس من المعاش فى الأسواق ومن المشى فى الطريق، وأهلكت خلقا.
وفيها حجّ بالناس من العراق الأمير محمد بن داود بن عيسى العباسىّ، وكان له عدّة سنين يحجّ بالناس.
وفيها أظهر الخليفة المتوكّل على الله جعفر السّنّة بمجلسه وتحدّث بها ونهى عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك الى الآفاق، حسبما ذكرناه فى ترجمة هرثمة هذا، واستقدم العلماء وأجزل عطاياهم. ولهذا المعنى قال بعضهم: الخلفاء ثلاثة:
أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه يوم الرّدّة، وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنه فى ردّ مظالم بنى أميّة، والمتوكّل فى إظهار السنّة.
وفيها خرج عن الطاعة محمد [بن البعيث «٢» ] أمير إرمينية وأذربيجان وتحصّن بقلعة مرند «٣» ؛ فسار لقتاله بغا الشّرابىّ فى أربعة آلاف، فنازله وطال الحصار بينهم، وقتل طائفة كبيرة من عسكر بغا، ودام ذلك بينهم الى أن نزل محمد بالأمان، وقيل:
بل تدلّى ليهرب فأسروه.
وفيها فوّض الخليفة المتوكل لإيتاخ متولّى إمرة مصر الكوفة والحجاز وتهامة ومكّة والمدينة مضافا على مصر، ودعى له على المنابر. وحجّ إيتاخ من سنته وقد تغيّر خاطر المتوكّل عليه. فلما عاد من الحجّ كتب المتوكّل إلى إسحاق بن إبراهيم