ولما ولى عنبسة مصر أمر العمّال بردّ المظالم، وخلّص الحقوق، وأنصف الناس غاية الإنصاف، وأظهر من الرفق والعدل بالرعيّة والإحسان اليهم ما لم يسمع بمثله فى زمانه؛ وكان يتوجّه ماشيا الى المسجد الجامع من مسكنه بالمعسكر بدار الإمارة.
وكان ينادى فى شهر رمضان: السّحور، لانه كان يرمى بمذهب الخوارج، كما تقدّم ذكره.
وفى أوّل ولايته نزل الروم على دمياط فى يوم عرفة وملكوها وأخذوا ما فيها وقتلوا منها جمعا كبيرا من المسلمين، وسبوا النساء والأطفال؛ فلما بلغه ذلك ركب من وقته بجيوش مصر ونفر اليهم يوم النحر سنة ثمان وثلاثين ومائتين- وقد تقدّم ذلك- فلم يدرك الرّوم، فأصلح شأن دمياط ثم عاد الى مصر. وكان سبب غفلة عنبسة عن دمياط أنه قدم عليه عيد الأضحى وأراد طهور ولديه يوم العيد حتى يجمع بين العيد والفرح، واحتفل لذلك احتفالا كبيرا، حتى بلغ به الأمر أن أرسل الى ثغرى دمياط وتنّيس «٣» فأحضر سائر من كان بهما من الجند والخرجيّة والزرّاقين وغيرهما، وكذلك من كان بثغر الإسكندرية من المذكورين، فرحلوا إليه بأجمعهم؛ واتفق مع هذا أنه لما كان صبح يوم عرفة هجم على دمياط ثلثمائة سفينة مشحونة بمقاتلة الروم، فوجدوا البلد خاليا من الرّجال والمقاتلة ولم يمنعهم عنها مانع، فهجموا [على] البلد وأكثروا من القتل والسّبى والنّهب. وكان عنبسة غضب على مقدّم من أهل دمياط يقال له أبو جعفر