وغيره، واتفقوا على صدقه وثقته. وفيها توفى أحمد بن أبى دواد بن جرير القاضى، أبو عبد الله الإيادىّ البصرىّ ثم البغدادىّ، واسم أبيه الفرح «١» ، ولى القضاء للمعتصم والواثق؛ وكان مصرّحا بمذهب الجهميّة، داعية الى القول بخلق القرآن؛ وكان موصوفا بالجود والسخاء والعلم وحسن الخلق وغزارة الأدب. قال الصّولىّ كان يقال: أكرم من كان فى دولة بنى العباس البرامكة ثم ابن أبى دواد؛ لولا ما وضع به نفسه من المحنة، ولولاها لاجتمعت الألسن عليه؛ ومولده سنة ستين ومائة بالبصرة. وقال أبو العيناء: كان أحمد بن أبى دواد شاعرا مجيدا فصيحا بليغا، ما رأيت رئيسا «٢» أفصح منه. قال ابن دريد: أخبرنا الحسن بن الخضر قال: كان ابن أبى دواد مؤالفا «٣» لأهل الأدب من أىّ بلد كانوا، وكان قد ضمّ «٤» اليه جماعة يمونهم، فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم، وقالوا: يدفن من كان ساحة «٥» الكرم وتاريخ الأدب ولا يتكلّم فيه! إن هذا لوهن وتقصير. فلمّا طلع سريره قام ثلاثة [منهم «٦» ] فقال أحدهم:
اليوم مات نظام الفهم واللّسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المكارم فى غيم من الكفن