ولما بنى هذا القصر والميدان وعظم أمره زادت صدقاته ورواتبه حتى بلغت صدقاته المرتّبة فى الشهر ألفى دينار، سوى ما كان يغطى ويطرأ عليه؛ وكان يقول:
هذه صدقات الشكر على تجديد النعم؛ ثم جعل مطابخ للفقراء والمساكين فى كلّ يوم، فكان يذبح فيها البقر والغنم ويفرّق للناس فى القدور الفخّار والقصع، ولكل قصعة أو قدر أربعة أرغفة: فى اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القدر أو القصعة؛ وكان فى الغالب يعمل سماط عظيم وينادى فى مصر: من أحبّ [أن] يحضر سماط الأمير فليحضر؛ ويجلس هو بأعلى القصر ينظر ذلك ويأمر بفتح جميع أبواب الميدان ينظرهم وهم يأكلون ويحملون فيسّره ذلك ويحمد الله على نعمته. ثم جعل بالقرب من قصره حجرة فيها رجال سمّاهم بالمكبّرين عدّتهم اثنا عشر رجلا، يبيت فى كلّ ليلة منهم أربعة يتعاقبون بالليل نوبا، يكبّرون ويهلّلون ويسبّحون ويقرءون القرآن بطيّب الألحان ويترسّلون بقصائد زهديّة ويؤذّنون أوقات الأذان؛ وكان هو أيضا [من] أطيب الناس صوتا. قلت: ولهذا كان فى هذه الرتبة، لأن الجنسيّة علة الضم.
ولا زال على ذلك حتى خرج من مصر الى طرسوس، ثم عاد الى أنطاكية فى جيوشه، بعد أن كان وقع له مع الموفّق أمور ووقائع يأتى ذكرها فى حوادث سنيه على مصر.
وكان قد أكل من لبن الجاموس وأكثر منه، وكان له طبيب اسمه سعد «١» بن نوفيل نصرانى؛ فقال له: ما الرأى؟ فقال له: لا تقرب الغذاء اليوم وغدا، وكان جائعا فاستدعى خروفا وفراريج فأكل منها، وكان به علّة القيام فامتنع؛ «٢» فأخبر الطبيب؛ فقال: إنا لله! ضعفت القوّة المدافعة بقهر الغذاء لها، [فعالجه]«٣» فعاوده الإسهال؛