للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فخرج من أنطاكية فى محفه «١» تحمله الرجال، فضعف عن ذلك فركب البحر الى مصر؛ فقيل لطبيبه: لست بحاذق؛ فقال: والله ما خدمتى له إلا خدمة الفأر للسّنّور، وإن قتلى عنده أهون علىّ من صحبته!.

ولما دخل ابن طولون الى مصر على تلك الهيئة استدعى الأطباء وفيهم الحسن ابن زيرك، فقال لهم: والله لئن لم تحسنوا فى تدبيركم لأضرينّ أعناقكم قيل موتى؛ فخافوا منه، وما كان يحتمى، ويخالفهم. ولما اشتدّ مرضه خرج المسلمون بالمصاحف، واليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل، والمعلّمون بالصّبيان، الى الصحراء ودعوا له؛ وأقام المسلمون بالمساجد يختمون القرآن ويدعون له؛ فلما أيس من نفسه رفع يديه إلى السماء وقال: يا ربّ ارحم من جهل مقدار نفسه، وأبطره «٢» حلمك عنه؛ ثم تشهّد ومات بمصر فى يوم الاثنين لثمان عشرة خلت من ذى القعدة سنة سبعين ومائتين، وولى مصر بعده ابنه أبو الجيش خمارويه؛ ومات وعمره خمسون سنة بحساب من قال إنّ مولده سنة عشرين ومائتين. وكانت ولايته على مصر سبع عشرة سنة. وقيل: إنّه لمّا ثقل فى الضعف أرسل الى القاضى بكّار بن قتيبة الحنفىّ- وكان قد حبسه فى دار بسبب نحكيه هنا بعد ما نذكر ما أرسل يقول له- فجاء الرسول إلى بكّار يقول له: أنا أردّك الى منزلتك وأحسن؛ فقال القاضى بكّار:

قل له: شيخ فان وعليل مدنف، والملتقى قريب، والقاضى الله عزّ وجلّ؛ فأبلغ الرسول ابن طولون ذلك؛ فأطرق ساعة، ثم أقبل يقول: شيخ فان وعليل مدنف والملتقى قريب والقاضى الله! وكرّر ذلك الى أن غشى عليه؛ ثم أمر بنقله من السجن الى دار اكتريت له.