وأما سبب انحراف أحمد بن طولون على القاضى بكّار فلكون «١» أنّ ابن طولون دعا القاضى بكّارا لخلع الموفق من ولاية العهد للخلافة فامتنع؛ فحبسه لأجل هذا؛ وكرر عليه القول فلم يقبل وئالا «٢» ؛ وكان «٣» أوّلا من أعظم الناس عند ابن طولون.
قال الطحاوىّ: ولا أحصى كم كان أحمد بن طولون يجيء إلى مجلس بكار وهو يملى «٤» الحديث ومجلسه مملوء بالناس، ويتقدّم الحاجب ويقول: لا يتغيّر أحد من مكانه؛ فما يشعر بكّار إلّا وابن طولون إلى جانبه؛ فيقول له: أيها الأمير ألا تركتنى [حتى]«٥» كنت أقضى حقّك [وأؤدّى «٦» واجبك! أحسن الله جزاءك وتولّى مكافأتك] ؛ ثم فسد الحال بينهما حتى حبسه.
قال القاضى شمس الدين أحمد بن محمد بن خلّكان: كان أحمد بن طولون يدفع الى القاضى بكّار فى العام ألف دينار سوى المقرّر له فيتركها بكّار بختمها [ «٧» ولا يتصرّف فيها] ؛ فلما دعاه ابن طولون لخلع الموفّق من ولاية العهد امتنع، فاعتقله وطالبه بحمل الذهب فحمله اليه بختومه، وكان ثمانية عشر كيسا فى كل كيس ألف دينار؛ فاستحى ابن طولون عند ذلك من الملأ. قلت: هذا هو القاضى الذي فى الجنة؛ رحمه الله تعالى. وقال أبو عيسى اللؤلؤيّ: رآه بعض أصحابه المتزهّدين فى حال حسنة فى المنام (يعنى ابن طولون) ، فقال له: ما فعل الله بك؟ وكيف حالك؟ قال: لا ينبغى لمن سكن الدنيا [أن] يحتقر حسنة فيدعها ولا سيئة فيرتكبها، عدل بى عن النار الى الجنة