فى أحسن تصوير وأبهج تزويق؛ وجعل على رءوسهنّ الأكاليل من الذهب والجواهر المرصّعة، وفي آذانها الأخراص «١» الثّقال؛ ولوّنت أجسامها بأصناف تشبه الثياب من الأصباغ العجيبة، فكان هذا القصر من أعجب ما بنى في الدنيا.
وجعل بين يدى هذا القصر فسقيّة ملأها زئبقا. وسبب ذلك أنه اشتكى إلى طبيبه كثرة السهر وعدم النوم، فأشار عليه بالتكبيس، فأنف من ذلك وقال: لا أقدر على وضع يد أحد علىّ؛ فقال له الطبيب: تأمر «٢» بعمل بركة من زئبق، فعمل البركة المذكورة، وطولها خمسون ذراعا في خمسين ذراعا عرضا وملأها من الزئبق، فأنفق فى ذلك أموالا عظيمة؛ وجعل في أركان البركة سككا من فضة، وجعل في السكك زنانير من حرير محكمة الصنعة في حلق من فضّة، وعمل فرشا من أدم يحشى «٣» بالريح حتى ينتفخ فيحكم حينئذ شدّه، ويلقى على تلك البركة الزئبق ويشدّ بالزنانير الحرير التى فى حلق الفضة المقدّم ذكرها، وينزل خمارويه فينام على هذا الفرش، فلا يزال الفرش يرتجّ ويتحرّك بحركة الزئبق ما دام عليه. وكانت هذه البركة من أعظم الهمم الملوكيّة العالية؛ وكان يرى لها في الليالى المقمرة منظر عجيب إذا تألّف نور القمر بنور الزئبق.
قال القضاعىّ: ولقد أقام الناس مدّة طويلة بعد خراب هذا القصر يحفرون لأخذ الزئبق من شقوق البركة.