ثم بنى خمارويه في القصر أيضا قبّة تضاهى قبة الهواء سماها الدّكة، وجعل لها السّتر الذي يقى الحسرّ والبرد فيسدل حيث شاء ويرفع متى أحبّ؛ وكان كثيرا ما يجلس في هذه القبة ليشرف منها على جميع ما في داره من البستان والصحراء والنيل والجبل وجميع المدينة. ثم بنى ميدانا آخر أكبر من ميدان أبيه. وبنى أيضا في داره المذكورة دارا للسباع وعمل فيها بيوتا كل بيت لسبع لم يسع البيت غير السبع ولبؤته، وعمل لتلك البيوت أبوابا تفتح من أعلاها بحركات، ولكلّ بيت منها طاقة صغيرة يدخل منها الرجل الموكّل بخدمة ذلك البيت لفرشه بالرمل؛ وفي جانب كل بيت حوض من الرّخام بميزاب من نحاس يصبّ فيه «١» الماء، وبين يدى هذه البيوت رحبة فسيحة كالقاعة فيها رمل مفروش، وفي جانبها حوض كبير من رخام يصبّ فيه ماء من ميزاب كبير، فإذا أراد سائس من سوّاس «٢» بعض السباع المذكورة [أن] ينظّف بيت ذلك السبع أو يضع له غذاءه من اللحم، رفع الباب بحيلة من أعلى البيت وصاح على السبع يخرج الى الرحبة المذكورة؛ ثم يردّ الرجل الباب وينزل الى البيت من الطاقة ويكنسه ويبدّل الرمل بغيره من الرمل النظيف، ويضع غذاءه من اللحم فى مكانه بعد ما يقطّع اللحم قطعا ويغسل الحوض ويملؤه ماء، ثم يخرج الرجل ويرفع الباب من أعلاه كما فعل أوّلا، وقد عرف السبع ذاك، فحالما يرفع الباب دخل السبع الى بيته وأكل ما هيّئ له من اللحم؛ فكانت هذه الرحبة فيها عدّة سباع ولهم أوقات يفتح فيها سائر بيوت السباع فتخرج الى الرحبة المذكورة وتشمّس فيها ويهارش بعضها بعضا فتقيم، يوما كاملا إلى العشىّ وخمارويه وعساكره تنظر إليها؛ فإذا كان العشىّ يصيح