وأنه لم ير في مثل حالته تلك قطّ من شدّة السكر الذي به، وقالوا له: إن أردت شيئا فقد أمكنك ما تريد؛ فقام شيبان ودخل من وقته على ابن أخيه هارون بن خمارويه، فوافاه في مرقده غاطّا مثقلا من سكره، فذبحه «١» بسكّين كان معه في مرقده بالعبّاسة، وكان ذلك في ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين؛ وعرف الناس بقتله في غد ليلته، واستولى شيبان على الملك كما ذكرناه؛ وبويع في يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر من السنة المذكورة؛ وعلم أبو جعفر بن أبى ونجيح الرومىّ القائد ما كان من أمر هارون وقتله، فرحلا من موضعهما من العبّاسة مع نفر من خاصّة أصحابهما وتركا بقيّة عسكرهما، ولحقا بعسكر طغج بن جفّ الذي كان نائب دمشق؛ وقد وصل محمد بن سليمان الكاتب وقائق ويمن وغيرهم من موالى خمارويه وأخبروهم بذلك، ثم جاءهم الخبر بأن الحسين بن حمدان قد دخل الفرما «٢» يريد جرجير «٣» وكانوا بها فرحلوا بعساكرهم حتى نزلوا العبّاسة، وذلك بعد رحيل شيبان بن أحمد بن طولون المذكور عنها إلى مدينة مصر.
وأما شيبان فإنه لما دخل مصر مع جميع إخوته وبنى عمّه والعسكر الذي كان بقى من عسكر ابن أخيه هارون تهيّأ لقتال القوم، وكان شيبان أهوج جسورا جسيما جلدا شديد البدن في عنفوان شبابه، فصار يسرع في أموره وذلك بعد أن تمّ أمره،