للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول؛ ثم قبض أيضا على جماعة من أهل مصر من الكتّاب وغيرهم، فصادرهم وغرّمهم الأموال الجليلة بعد العذاب والتهديد والوعيد؛ ثم أمسك محمد بن أبّى خليفة هارون بن خمارويه على مصر- أعنى الذي كان توجّه إليه من العبّاسة- وصادره وأخذ منه خمسمائة ألف دينار من غير تجشيم. ومحمد بن أبّى هذا هو الذي قدّمنا ذكره في ترجمة جيش بن خمارويه وما وقع له مع برمش. وكان محمد بن سليمان هذا لا يسمّى باسمه «١» ولا بكنيته وما كان يدعى إلا بالأستاذ؛ وكان حكمه فى أهل مصر بضرب أعناقهم وبقطع أيديهم وأرجلهم جورا وتمزيق ظهورهم بالسياط وصلبهم على جذوع النخل ونحو ذلك من أصناف النّكال؛ ولا زال على ذلك حتى رحل عن مدينة مصر في يوم الخميس مستهلّ شهر رجب من سنة اثنتين وتسعين ومائتين، واستصحب معه الأمير شيبان «٢» بن أحمد بن طولون صاحب الترجمة وبنى عمّه وأولادهم وأعوانهم، حتى إنّه لم يدع من آل طولون أحدا، والجميع في الحديد الى العراق وهم عشرون إنسانا؛ ثم أخرج قوّادهم الى بغداد على أقبح وجه، فلم يبق بمصر منهم أحد يذكر؛ وخلت منهم الديار وعفت منهم الآثار، وحل بهم الذلّ بعد العزّ والتطريد والتشريد بعد اللّذ «٣» ، ثم سيق جماعة من أصحاب شيبان الىّ محمد بن سليمان ممّن كان أمّنهم فذبحوا بين يديه. وزالت الدولة الطولونية وكانت من غرر الدول، وأيامهم من محاسن الأيام، وخرّب الميدان والقصور التى كانت به، التى مدحتها الشعراء. قال القاضى أبو عمرو عثمان النابلسىّ في كتاب