الحجاز واليمن عورت تلك الصور التي في البرابي من الإبل وغيرها، فيتعور ما في ذلك الجيش وينقطع عنهم ناسه وحيوانه، وإذا كان الجيش من نحو الشأم فعلت تلك الصور أيضاً ما فعلت كما وصفنا، وكذلك من أتاهم في المراكب؛ فهابتهم الأمم والملوك ومنعوا ناحيتهم من عدوهم، فاتصل ملكهم بتدبير هذه العجوز إلى عدة أقطار، ثم عرفت بمجيء الطوفان ثانية، فخافت على هذه الصور والعلوم أن تذهب فبنت عدة برابٍ، وجعلت فيها علومها من الصور والتماثيل والكتابة، وجعلت بنيانها نوعين:
طيناً وحجراً، وفرزت ما يبنى بالطين مما يبنى بالحجر، وقالت: إن كان هذا الطوفان ناراً استحجر ما بنينا بالطين وبقيت هذه العلوم، وإن كان الطوفان الوارد ماءً ذهب ما بنينا بالطين وبقي ما بنينا بالحجارة، وإن كان الطوفان سيفاً بقي كلا النوعين.
ولما ماتت دلوكة العجوز المذكورة ملك مصر بعدها دركوس بن بلطيوس؛ ثم ملك بعده بورس بن دركوس؛ ثم ملك بعده لعس بن نورس نحوا من خمسين سنة؛ ثم ملك بعده دنيا «١» بن نورس نحوا من عشرين سنة؛ ثم ملك بعده نلوطس عشر سنين؛ ثم ملك بعده مما كيل بن بلوطس، ثم ملك بعده يلونة بن مماكيل وكانت له حروب ومسير في الأرض، وهو فرعون الأعرج الذي غزا بني إسرائيل وخرب بيت المقدس؛ ثم ملك بعده مرينوس وكانت له أيضاً حروب بالمغرب، ثم ملك بعده نقاس بن مرينوس ثمانين سنة، ثم ملك بعده قويس بن نقاس عشر سنين؛ ثم ملك بعده كاميل، وكانت له أيضاً حروب مع ملوك المغرب وغزاه البخت نصّر مرزبان المغرب من قبل ملك فارس، فخرب أرضه وقتل رجاله وسار البخت نصر إلى نحو المغرب. ولما زال أمر البخت نصر ومن كان معه من جنود فارس ملكت الروم مصر وغلبت عليها، فتنصر أهلها، فلم يزالوا على ذلك