إلى أن ملك كسرى أنو شروان، فغلبت جيوشه على الشأم وسارت نحو مصر فملكوها، وغلبوا على أهلها نحواً من عشرين سنة، فكانت بين الروم وفارس حروب كثيرة، وكان أهل مصر يؤدون خراجين عن بلادهم: خراجاً لفارس، وخراجاً للروم؛ ثم انجلت فارس عن مصر والشأم [لأمر «١» حدث في دار مملكتهم فغلبت الروم على مصر والشأم] وأشهروا النصرانية فشمل ذلك من في الشأم ومصر إلى أن أتى الله بالإسلام، وكان من أمر المقوقس صاحب مصر مع النبي صلى الله عليه وسلم من الهدايا ما كان إلى أن افتتحها عمرو بن العاص بمن كان معه من الصحابة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حسبما ذكرناه في أول ذلك الكتاب.
وكان المقوقس ملك مصر وصاحب القبط نزيل الإسكندرية في بعض فصول السنة، وفي بعضها مدينة منف، وفي بعضها قصر الشمع، وقصر الشمع في وسط مدينة الفسطاط. والمقصود من ذكر ذلك أن الذين ملكوا مصر باتفاق كثير من أهل التاريخ على اختلاف بينهم، من الفراعنة وغيرهم: اثنان وثلاثون فرعوناً؛ ومن ملوك بابل ممن ملك مصر: خمسة؛ ومن العماليق وهم الذين قدموا إليها من الشأم: أربعة؛ ومن الروم: سبعة؛ ومن اليونانيين: عشرة؛ وذلك قبل ظهور المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وملكها أناس من ملوك الفرس من الأكاسرة، فكانت مدة من ملك مصر من بني نوح والفراعنة والعماليق والروم واليونانيين ألف سنة وثلثمائة سنة.
قلت: وهذا الذي ذكرناه على سبيل الاستطراد، وشرط كنابنا هذا ألا نذكر فيه إلا من ملك مصر في الإسلام، ومن ذكرناه من هؤلاء زيادة ليست بمنكرة لتحصيل الفائدة.