قلت: وكيف لا وهو الذي انزعج منه الخليفة بنفسه وانكسرت عساكره منه، وذهب من بغداد ولم يتبعه أحد؛ فحينئذ خلاله الجوّ وأخذ كلّ ما أراد ممّا لم يدفع كلّ واحد عن نفسه. وفيها تشغّبت الجند على الخليفة المقتدر ووقع أمور. وفيها فى صفر قدم علىّ بن عيسى الوزير على المقتدر، فزاد المقتدر في إكرامه وبعث إليه بالخلع وبعشرين ألف دينار. وركب من الغد في الدّست «١» ، ثم أنشد:
ما النّاس إلّا مع الدنيا وصاحبها ... فكيفما انقلبت يوما به انقلبوا
يعظّمون أخا الدنيا فإن وثبت ... يوما عليه بما لا يشتهى وثبوا
وفيها توفّى الحسين بن عبد الله أبو عبد الله الجوهرىّ، ويعرف بابن الجصّاص، التاجر الجوهرىّ صاحب الأموال والجوهر، كان تاجرا يبيع الجوهر؛ وقد تقدّم أنّ المقتدر صادره وأخذ منه ستة آلاف ألف دينار غير المتاع والدوابّ والغلمان؛ ومع هذا المال كان فيه سلامة باطن، يحكى عنه منها أمور، من ذلك: أنه دخل يوما على الوزير ابن الفرات فقال: أيها الوزير عندنا كلاب ما تدعنا ننام؛ قال:
لعلهم جربى «٢» ؛ قال: لا والله إلّا كلب كلب مثلى ومثلك. ونزل مرّة مع «٣» الوزير الخاقانىّ فى المركب وبيده بطّيخة كافور، [فأراد أن يبصق في دجلة ويعطى الوزير البطّيخة] ، فبصق في وجه الوزير وألقى البطّيخة في دجلة؛ [فارتاع «٤» الوزير وقال له: ويحك! ما هذا؟] ؛ ثم أخذ يعتذر للوزير فيقول: أردت أن أبصق في وجهك وألقى البطّيخة في الماء فغلطت؛ فقال: كذا فعلت يا جاهل!. [فغلط «٥» فى الفعل وأخطأ فى الاعتذار!] . ومع هذه البليّة كان متجوّلا «٦» محظوظا عند الخلفاء والملوك. وفيها