زمانه في الوعظ والتصوّف والفقه والزهد. وفيها توفّى محمد بن علىّ بن الحسن «١» ابن مقلة أبو على الوزير صاحب الخطّ المنسوب [إليه] ، ولى بعض أعمال فارس ثم وزر للمقتدر سنة ستّ عشرة وثلثمائة، ثم قبض عليه وصادره وحبسه عامين، ثم وزر بعد ذلك ثانيا وثالثا لعدّة خلفاء؛ ووقع له حوادث ومحن حتّى قطعت يده ولسانه وحبس حتّى مات. قال الصّولى: ما رأيت وزيرا منذ توفّى القاسم بن عبيد الله أحسن حركة، ولا أظرف إشارة، ولا أملح خطّا، ولا أكثر حفظا، ولا أسلط قلما، ولا أقصد بلاغة، ولا آخذ بقلوب الخلفاء، من محمد بن علىّ (يعنى ابن مقلة) . قال: وله بعد هذا كلّه علم بالإعراب وحفظ اللغة. وقال محمد بن إسماعيل الكاتب: لما نكب أبو الحسن بن الفرات أبا علىّ بن مقلة لم أدخل إليه في «٢» حبسه ولا كاتبته، خوفا من ابن الفرات، فلما طال أمره كتب إلىّ يقول:
ترى حرّمت كتب الأخلّاء بينهم ... أبن لى أم القرطاس أصبح غاليا
فما كان لو ساءلتنا كيف حالنا ... وقد دهمتنا نكبة هى ما هيا
صديقك من راعاك عند شديدة ... وكلّ تراه في الرخاء مراعيا
فهبك عدوّى لا صديقى فربّما ... تكاد الأعادى يرحمون الأعاديا
وأنفذ في طىّ الورقة ورقة الى الوزير، فيها:
" أمسكت- أطال الله بقاء الوزير- عن الشكوى، حتى تناهت البلوى؛ فى النفس والمال، والجسم والحال؛ الى ما فيه شفاء للمنتقم، وتقويم للمجترم؛ حتى أفضيت الى الحيرة والتبلّد، وعيالى الى الهتكة والتشرد. وما أبداه الوزير- أيّده الله- فى أمرى إلا بحقّ واجب، وظنّ غير كاذب. وعلى كل حال فلي ذمام وحرمة،