للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأحْصَوْهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وقال: أحْصوا العيالات الذين لا يأتون والمرضى والصبيان، فأحصوا فوجدوهم أربعين ألفًا. ثمّ مكثنا ليالي فزاد الناس فأمر بهم فأحصوا فوجدوا من تعشّى عنده عشرة آلاف والآخرين خمسين ألفًا، فما بَرِحوا حتى أرسل الله السماء، فلمّا مَطَرَتْ رأيتُ عمر قد وكّل كلّ قومٍ من هؤلاء النفر بناحيتهم يُخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتًا وحُمْلانًا إلى باديتهم، ولقد رأيتُ عمر يُخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموتُ فَأُرَاهُ مات ثلثاهم وبقي ثلثٌ، وكانت قُدورُ عمر يقوم إليها العمّال في السحر يعملون الكركور حتى يُصْبحوا ثمّ يطعمون المرضى منهم ويعملون العصائد (١)، وكان عمر يأمر بالزيت فَيُفَارُ في القُدور الكبار على النار حتى يذهب حُمّتُه (٢) وحرّه ثمّ يُثْرَدُ الخبز ثمّ يؤدم بذلك الزيت، فكانت العرب يُحَمّون من الزيت، وما أكل عمر في بيت أحد من ولده ولا بيت أحد من نسائه ذواقًا زمان الرمادة إلّا ما يتعشّى مع الناس حتى أحيا الله الناس أول ما أحْيَوْا (٣).

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عثمان بن عبد الله بن زياد عن عمران بن بشير عن مالك بن أوس بن الحَدَثان من بني نَصر قال: لما كان عام الرمادة قدم على عمر قومى مائة بيت فنزلوا بالجبّانة (٤)، فكان عمر يُطعم الناس من جاءَه، ومن لم يأتِ أرسل إليه بالدّقيق والتمر والأدم إلى منزله، فكان يرسل إلى قومى بما يُصلحهم شهرًا بشهر، وكان يتعاهد مَرْضاهم وأكْفانَ مَن مات منهم. لقد رأيت الموت وقع فيهم حين أكلوا الثُّفْلَ، وكان عمر يأتي بنفسه فيصلّي عليهم، لقد رأيتُه صلّى على عشرة جميعًا، فلما أحيَوْا قال: اخْرُجوا من القرية إلى ما كنتم اعتدْتم من البرّية. فجعل عمر يحمل الضعيف منهم حتى لحقوا ببلادهم.

قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق والفضل بن دُكين قالا: أخبرنا زكريّاء بن أبي زائدة عن الشعبي عن عبد الله بن عمر قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يَتَحَلّبُ فوهُ فقلتُ له: ما شأنك؟ فقال: أشْتَهي جرادًا مقليًّا.


(١) دقيق يلت بالسمن ويطبخ.
(٢) حمته: ضره وسمه.
(٣) أورده ابن عساكر في تاريخه ص ٢٩٧ من ترجمة عمر، نقلًا عن ابن سعد.
(٤) لدى السمهودي ج ٤ ص ١١٧٣: الجبانة - كندمانة، أصله المقبرة، وهو موضع شمالي المدينة.