ما قلتم حين رأيتمونى؟ فقد علمتُ أنّكم قلتم شيئًا، فقال القوم: ذكرناك وأخاك هشامًا فقلنا هشام أفضل أو عمرو. فقال: على الخبير سقطتم، سأحَدّثُكم عن ذاك، إنى شهدتُ أنا وهشام اليرموك فباتَ وبتّ نَدعو الله أن يرزقنا الشهادةَ فلمّا أصبحنا رُزِقَها وحُرِمتُها فهل في ذلك ما يبيّن لكم فَضْلَه علىّ؟ ثمّ قال: ما لى أراكم قد نحّيتم هؤلاء الفتيان عن مجلسكم؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم وأدْنوهم وحَدّثوهم وأفْهِموهم الحديثَ فإنّهم اليومَ صِغارُ قومٍ ويوشكون أن يكونوا كبارَ قومٍ، وإنّا قد كنّا صِغَار قومٍ ثمّ أصبحنا اليومَ كبارَ قومٍ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى ثَوْر بن يزيد عن زياد قال: قال هشام بن العاص يومَ أجنادين: يا معشر المسلمين إنّ هؤلاء القُلْفان (١) لا صَبْرَ لهم على السيف فاصنعوا كما أصْنَعُ. قال فجعل يدخل وَسَطَهم فيقتل النّفَرَ منهم حتى قُتل.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى مَخْرَمة بن بُكير عن أمّ بكر بنت المِسْوَر بن مَخْرَمة قالت: كان هشام بن العاص بن وائل رجلًا صالحًا، لما كان يوم أجنادين رأى من المسلمين بعض النكوصِ عن عدوّهم فألقى المِغْفَر عن وجهه وجعل يتقدّم في نَحْرِ العدوّ وهو يصيح، يا معشر المسلمين إلىّ إلىّ، أنا هشام بن العاص، أمِن الجنّة تفرّون؟ حتى قُتِلَ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى عبد الملك بن وهب عن جعفر بن يعيش عن الزّهريّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة قال: حدّثنى مَن حضر هشام ابن العاص: ضرب رجلًا من غسّان فأبْدى سَحْرَه فكرّتْ غَسّانُ على هشام فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه، فلقد وَطِئَتْه الخيل حتى كرّ عليه عمرو فجمع لحمه فدفنه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى ثَوْر بن يزيد عن خَلَف بن مَعْدان قال: لما انهزمت الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلّا إنسانٌ وجعلت الروم تقاتل عليه وقد تقدّموه وعبروه وتقدّم هشام بن العاص بن وائل فقاتل عليه حتى قُتل، ووقع على تلك الثّلْمة فسدّها، فلمّا انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطِئوه الخيلَ فقال عمرو بن العاص: أيّها الناس إنّ الله قد استشهده ورفع روحه