عَمْرو جمع عليه أصحَابَه وفَواشِيه وكتب ذلك اليوم الذي قال لهُ فيهِ اليهوديُّ ما قال: ثم خرج عَمْرو معه بخُفَرَاء من الأَزْد وعبد القيس يأمنُ بهم حتى قَدِمَ أرضَ بني حَنِيفَةَ فأخذ منهم خُفَراء، ثم جاء أرض بني تميم فَأَخذ منهم خُفَراء حتى جاء أرضَ بني عامر، فنزل على قُرّة بن هُبيرة القُشيري، فأَحْسَنَ مَنْزِله وضَيَّفَهُ، ثم إن قُرَّةَ قال له حين أراد عمرو أن يركب: إن لك عندي نصيحةً وأنا أُحِبُّ أن تسمعها، قال: وما هي؟ قال قُرَّة: إن صاحبكم قد توفي! قال عَمْرو: وصاحبنا هُوَلَا أمَّ لك يعني: دونك - وإنكم يا معشر قريش كنتم في حَرَمِكم تأمنون فيه، ويأتيكم الناس ثم خرج منكم رجل يقول ما سمعت: فلما بلغنا ذلك لم نكرهه، وقلنا رجل من مُضَر يَسُوق الناسَ وقد تُوفي، والناسُ إليكم سراعٌ، وإنهم غيرُ معطيكم شيئًا فَالْحَقوا بحَرَمِكم تأمنوا فيه، فإن كنتَ غير فاعل فَعِدْني حيث شئتَ آتِك، فَوَقَع به عَمرو، وقال: إني أَرُدّ عليك نصِيحتَك. وموعدك حِفْشُ (١) أمِّكَ! وأيّ العربِ تُوعِدُنا به؟ فأُقْسِم بالله لأُوطِئَنَّ عليك الخَيْل. قال قُرّة: إني لم أُرِدْ هَذَا، وَنَدِمَ على مقالتِه.
قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: فحدثني الضّحّاك بن عثمان، قال: سمعت الزُهريّ يقول: جاءت وفاةُ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، عَمْرَو بن العاص وهو بعُمان، وَجدتُ ذكر ذلك عند المنذر بن سَاوَى، فخرج بخفراء من الأَزْدِ حتى قدم هَجَر، ثم خرج بخُفَراء من بني عبد القيس، فلما جاء أرضَ بَني حَنيفة، سمع به مُسيلمةُ فخرج في أصحابه فعرض له فهرب عَمْرو منه ومعه ثُمَامَة بن أُثَال في قومه من بَنِي حنيفة، واقتطع مُسَيْلِمَةُ رجلين من أصحابه: حَبِيب بن زيد بن عاصم وهو ابن أم عمارة، وعبد الله بن وَهْب الأَسْلمي وكانا في السائقة فأصابهما، فقال لهما: أتشهدان أني رسول الله؟ فأقرَّ الأسلميّ بما قال: فأمر به فحُبس في حديدٍ حتى أفلت بعد ذلك، فصار إلى خالدِ بن الوليد.
(١) ورد لدى ابن الأثير في النهاية (حفش): " .. هلّا قعد في حِفْش أمه. . ." الحِفش: بالكسر، الدُّرْج، شبه به بيت أمه في صغره. وقيل: الحفش: البيت الصغير الذليل القريب السَّمْك، سُمِّي به لضيقه.